ثم ذكر الأمم السابقة فقال: {وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً} [الأنبياء:11].
(كم) فيه إشارة إلى أن الأمم الذين قصمناهم كثير، فإذا قصم الشيء فلا رجوع، ولا ينفع التصليح فيه، فقد قصمهم الله سبحانه تبارك وتعالى وأبادهم وأهلكهم، قال تعالى: {فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [العنكبوت:40]، ومنهم من سلط الله عز وجل عليه عباده المؤمنين، أو الكفار يسلطون على المسلمين العصاة.
ولما تسبب اليهود في قتل يحيى بن زكريا على نبينا وعليه الصلاة والسلام سلط الله على أرضهم بختنصر، الكافر فأبادهم، وهذا من تسليط الله عز وجل على العصاة، فيسلط عليهم المؤمنين، وقد يسلط عليهم الكفار فيقتلونهم ويبيدونهم.
إذاً: الإنسان المستقيم على التوحيد والذي يعرف حدود الله ويطيع ربه، فإن الله يكون معه وينصره، والإنسان الذي عرف الدين وتركه وراءه ظهرياً استحق أن يقصمه الله سواء بآية من الآيات من السماء أو على يد مؤمن أو على يد كافر، قال تعالى: {وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ} [الأنبياء:11] يعني: كثيرين، فهناك قرى ظالمة أشركوا بالله عز وجل فأهلكهم الله، وبعدما أبادهم أنشأ قوماً آخرين.