هذه الغزوة كان فيها آيات عظيمة من الله سبحانه وتعالى، من هذه الآيات أن المسلمين وهم يحفرون الخندق استصعب عليهم مكان فيه، فالأرض منها أرض ترابية ومنها أرض صخرية.
روى الإمام النسائي عن أبي سكينة -وهو رجل من المحررين- عن رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفر الخندق عرضت لهم صخرة حالت بينهم وبين الحفر، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم ووضع رداءه ناحية الخندق، وأخذ المعول ونزل بنفسه، وقال: {وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا} [الأنعام:115] وضرب الصخرة، فندر ثلث الصخرة، وخرج معها بريق عظيم، فإذا بالنبي صلى الله عليه وسلم يقول في الثانية: {وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا} [الأنعام:115]، ويضرب الضربة الثانية فندر الثلث الثاني، فبرقت برقة وهكذا في الثالثة)، كل مرة يضرب النبي صلى الله عليه وسلم ضربة فينفلق ثلث الصخرة ويخرج بريق عظيم، والنبي صلى الله عليه وسلم يتلو هذه الآية، وانكسرت الصخرة ثلاثة أجزاء وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ رداءه وجلس.
قال سلمان: (يا رسول الله! رأيتك ضربت ما تضرب ضربة إلا كانت معها برقة، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: رأيت ذلك يا سلمان؟! قال: إي والذي بعثك بالحق يا رسول الله! قال: فإني حين ضربت الضربة الأولى رفعت لي مدائن كسرى وما حولها حتى رأيتها بعيني، فقال له من حضره من أصحابه: يا رسول الله! ادع الله أن يفتحها علينا ويغنمنا ذراريهم ويخرب بأيدينا بلادهم! فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم).
فمن الآيات، أن النبي بضربه ضربها على الصخرة نظر إلى بلاد الشام، وإلى بلاد العراق والله عز وجل سيغنمه ذلك، ووجد أنه سيفتح هذه البلاد.
وفي رواية أخرى أنه كبر صلوات الله وسلامه عليه وقال: (الله أكبر أعطيت مفاتيح الشام، وإني لأبصر إلى قصورها الحمراء من مكاني هذا)، هذا في الضربة الأولى، وفي الضربة الثانية قال: (باسم الله، الله أكبر أعطيت مفاتيح فارس، والله إني لأبصر قصر المدائن الأبيض)، ثم ضرب الثالثة وقال: (باسم الله، فقطع الحجر، وقال: الله أكبر! أعطيت مفاتيح اليمن، والله إني لأبصر باب صنعاء).
وهذه بشارة في وقت انتشر فيه الرعب بين الناس؛ ليري الله عز وجل المؤمنين آية من آياته سبحانه، وليعلم من يصدق ذلك ومن يكذب، أما المؤمنون عندما يسمعون النبي صلى الله عليه وسلم يقول ذلك فيقولون: يا رسول الله! ادع الله أن يفتحها علينا ويغنمنا ذراريهم، ويخرب بأيدينا بلادهم! وما النصر إلا من عند الله سبحانه، والمؤمنون لا يطلبون النصر من النبي صلى الله عليه وسلم إنما يقولون: ادع الله أن ينصرنا على هؤلاء.
وأما الرواية الأولى ففيها (أنه في الضربة الثالثة قال: رفعت لي مدائن الحبشة وما حولها من القرى حتى رأيتها بعيني)، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك: (دعوا الحبشة ما ودعوكم، واتركوا الترك ما تركوكم)، وهو حديث حسن.
والغرض: أن حفر الخندق آيات من آيات الله سبحانه في وقت كان المسلمون في غاية الخوف والرعب، ولا يقدرون على قتال الكفار، فلا يصدق بهذه إلا مؤمن قوي الإيمان، ولا يكذب بها إلا منافق، فقد كان المنافقون يقولون: يعدنا بفتح مدائن كسرى، وقيصر، والشام، والحبشة، والعراق، ونحن لا نستطيع أن ندافع عن أنفسنا.