معنى قوله تعالى (وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله)

قال الله سبحانه: {وَأُوْلُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ} [الأحزاب:6].

وقال الله سبحانه في أول سورة النساء: {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ} [النساء:1] يعني: اتقوا الله سبحانه وتعالى الذي تساءلون به، يعني: ينشد بعضكم بعضاً بالله، فتقول: بالله افعل كذا وكذا، وأيضاً تتساءلون بالأرحام، فتقول للإنسان: راع الرحم التي بيني وبينك، فتنشده الرحم بمعنى مراعاة الرحم ومراعاة القرابة التي بيني وبينك، وهذا على قراءة: {اتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ} [النساء:1].

وفي القراءة الأخرى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ} [النساء:1] يعني: اتقوا الأرحام أن تقطعوها، فالأرحام هي القرابات، فهنا يقول الله سبحانه: {وَأُوْلُو الأَرْحَامِ} [الأحزاب:6] يعني: القرابات الأنسباء: {بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ} [الأحزاب:6] أي: في المواريث.

وسبب نزول هذه الآية أنه كان في أول الإسلام لما كان المؤمن في مكة يترك أقاربه الكفار، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم مؤاخاة بين المؤمن والمؤمن، حتى تزداد الصلة فيما بينهم، فكانوا يتوارثون بذلك، فلما هاجر أهل مكة إلى المدينة آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين تسعين من المهاجرين والأنصار، فكانت هذه الأخوة الإيمانية تربط الجميع، وكانوا يتوارثون بها، فإذا مات أنصاري وله أخ من المهاجرين ورثه، فبعدما نزلت هذه الآية جعل الله عز وجل الأخوة التي كانت بينهم أخوة الإسلام، لكن ليست أولى من أخوة النسب في الإرث، فجعل التوريث بين المسلمين بالقرابات، فقال الله سبحانه: {وَأُوْلُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ} [الأحزاب:6] من المؤمنين أي الأنصار الذين في المدينة، والمهاجرين الذين هاجروا إليهم، فصار كل إنسان يرثه قريبه من المؤمنين وهم يرثونه.

يقول الزبير رضي الله عنه في هذه الآية: {وَأُوْلُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ} [الأحزاب:6]: وذلك أنا معشر قريش قدمنا المدينة ولا أموال لنا، فوجدنا الأنصار نعم الإخوان، فآخيناهم فأورثونا وأورثناهم، فآخى أبو بكر خارجة بن زيد قال عروة بن الزبير: فارتث كعب يوم أحد، يعني: جرح في يوم أحد جراحة شديدة، فجاء الزبير يقوده بزمام راحلته، فلو مات يومئذ كعب من الضح والريح لورثه الزبير.

يعني: لو كان مات كعب بن مالك يوم أحد من جراحه لكان الذي سيرثه الزبير رضي الله عنه، والزبير مهاجري وكعب أنصاري، لكن لم يحدث هذا، ونزلت هذه الآية بعد ذلك وألغت أمر التوارث بالهجرة والنصرة.

قال: {وَأُوْلُو الأَرْحَامِ} [الأحزاب:6] أي: بالأنسباء.

{بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ} [الأحزاب:6] في حكم الله.

{مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا} [الأحزاب:6] يعني بالوصية أن تفعل معروفاً مع هؤلاء، فتوصلهم بشيء من الثلث فما دونه، فهذا جائز.

{كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا} [الأحزاب:6] مسطور بمعنى: مكتوب، فهذا حكم الله عز وجل في اللوح المحفوظ مكتوب، وأنزله في القرآن العظيم، وجعله حكماً مكتوباً لتقرءوه ولتعملوا به.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015