قال تعالى: {يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ} [الحج:2].
قوله: (يوم ترونها تذهل) يعني: هذه الزلزلة تشاهدونها، والذهول هو الغفلة عما أمام الإنسان، وكأنه لا يرى هذا الشيء، فهو ذاهل عنه، مثل من يأخذ شيئاً ثم يبحث عنه وهو في يده، فيوم القيامة تذهل كل مرضعة عما أرضعت، وما قال: كل إنسان عما حمل، فالإنسان يوم القيامة لا يحمل شيئاً معه، فهو يخرج من قبره عرياناً حافي القدمين كما ولدته أمه.
وفي الدنيا لا يمكن أن امرأة ترضع طفلها وتذهل عنه، ولكن يوم القيامة من شدة الكرب ومن الهول، ومن الفزع؛ تذهل كل مرضعة عما أرضعت، والمرضع لا يوجد فيها المذكر والمؤنث، فهي امرأة ترضع، لكن الشيء الذي يحتمل أن يفعله الرجل وتفعله الأنثى يوجد فيه المذكر والمؤنث، مثل: هذا قائم، وهذه قائمة، هذا جالس، وهذه جالسة، فالذهن يذهب أن المرضع هي المرأة الذي ترضع، فلا يوجد رجل يرضع، فلا يحتاج هذا الاسم إلى تاء التأنيث، فلما جاء هنا بتاء التأنيث فقالوا: هو لزيادة معنى، وهذا المعنى: أن المرأة الذي ترضع اسمها مرضع، وحال إرضاعها تسمى مرضعة، فذكر أن هذه المرأة التي تحن على صبيها تذهل عنه في ذلك اليوم.