قال الله تعالى: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وكان الله غفوراً رحمياً} [الأحزاب:5].
قد يريد الإنسان أن يعمل الصواب ولكن يقع في الخطأ، فالله غفور رحيم.
وكان هناك أناس قد تبناهم آخرون غير النبي صلى الله عليه وسلم، جرياً على ما كانوا عليه من عادة التبني، فلما نزلت الآية وحرم التبني، كان يجري على ألسنة الناس نسبة المتبني إلى المتبنى، كأن يقال: زيد بن محمد، فبينت الآية أن من تعمد ذلك وقع في الإثم، ومن لم يتعمد ذلك وإنما جرت الكلمة على لسانه خطأً فالله غفور رحيم.
على أن منهم من لصق به هذا الاسم، حتى أن الناس لا يكادون يعرفون له اسماً غيره، مثل: المقداد بن الأسود، وقد كان المقداد بن الأسود فارس رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي غزوة من الغزوات لقبه بذلك عليه الصلاة والسلام.
والأسود ليس أباه، وإنما هو عمه، فهو المقداد عمرو ولكن صار على الألسنة المقداد بن الأسود، فـ الأسود بن عبد يغوث كان قد تبنى المقداد في الجاهلية ومكث معه فترة طويلة إلى أن أصبح رجلاً، وحينها نسي أباه الحقيقي، فأصبح الناس ينادونه بهذا الاسم لا يكادون يعرفون غيره، وأصبح من يناديه لا يقصد أن يقول له: أبوك ليس عمرو وإنما أبوك الأسود؛ ولكن لما لصق به هذا الاسم عرف به، على أن الله عز وجل قد عفا عن مثل ذلك، أي: أن الإنسان لا يتعمد أن ينسب الإنسان إلى غير أبيه، وعلى هذا فمن التصق به الاسم فصار لا يكاد يعرف إلا كـ المقداد بن الأسود لم يأثم من ناداه به.
لكن من قصد نسبة فلان إلى فلان وهو ليس أباه ولو بالتبني فهذا حرام لا يجوز إطلاقه، كما لا يجوز لإنسان أن يقول: أنا ابن فلان على وجه التبني، ولا للرجل أن يقول: فلان ابني على وجه التبني، ولا لثالث أن يقول: فلان بن فلان كأنه ينسبه إليه وهو يعلم أنه ليس ابنه، ومن فعل ذلك كان عاصياً.
قال الله سبحانه: {وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [الأحزاب:5] أي: إن الله غفور للإنسان الذي تعمد ذلك ثم تاب إلى الله، والله رحيم بأن رفع عنكم المؤاخذة في الخطأ.
وهناك فرق بين الخطأ والخطيئة: فالخطيئة أن يريد الإنسان المعصية، أو يقع في المعصية وهو متعمد لها.
والخطأ: أن يريد الإنسان الطاعة فيخطئ فيقع في المعصية، فهو لم يرد معصية ولكن أخطأ فوقع في الشيء فالله سبحانه وتعالى رحيم، ومن رحمته أنه رفع عنا الإثم في الخطأ والنسيان وما استكرهنا عليه.