أغراض السورة يعني: ما أشارت إليه هذه السورة من أولها إلى آخرها: يذكر الله سبحانه وتعالى في أولها قوله: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا} [الأحزاب:1].
وهذه السورة ترد على الكفار والمنافق، فهم طلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً، فالله عز وجل حذره أن يطيع هؤلاء الكافرين والمنافقين، وكان من اعتراضهم على النبي صلى الله عليه وسلم أنه كيف يتزوج بـ زينب بنت جحش وهي ابنة عمه، وكان قد زوجها مولاه زيد بن حارثة، وزيد بن حارثة كان حراً في البداية، ولكن خطفه بعض العرب من أهله، ثم باعوه، فوصل إلى خديجة بنت خويلد ثم وهبته للنبي صلى الله عليه وسلم فأعتقه النبي صلى الله عليه وسلم وتبناه عليه الصلاة والسلام.
فصار ابناً للنبي صلى الله عليه وسلم على ما كان عليه أمر العرب الأول، ولما تبناه وأحبه النبي صلى الله عليه وسلم شرفه بأن جعله يتزوج ابنة عمه وهي السيدة زينب بنت جحش، وهي شريفة من آل النبي صلى الله عليه وسلم، وهو مرتبته أنه كان عبداً، فأنفت من ذلك، ولهذا لم تدم العشرة بينهما، فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يأتيه زيد ويريد أن يفارقها ويريد أن يطلقها، فيقول له: اتق الله واصبر كما حكى الله أنه كان يقول: {أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ} [الأحزاب:37]، حتى أخبره ربه سبحانه أن زيداً لن يعيش معها، بل سيفارقها وستتزوجها أنت يوماً من الأيام، فإذا به يستحيي صلوات الله وسلامه عليه، فيأتيه زيد ويقول للنبي صلى الله عليه وسلم: إني أريد أن أفارقها، فإذا بالنبي صلى الله عليه وسلم يستحيي فيقول: اتق الله وأمسك عليك زوجك.
فإذا بالله عز وجل يعاتبه في ذلك ويقول: {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا} [الأحزاب:37].
والنبي صلى الله عليه وسلم مستحيل أن يخفي شيئاً من كتاب الله أو من شرع الله سبحانه، فإذا كان في هذا الأمر البسيط الذي انبنى على حيائه صلى الله عليه وسلم حيث كان يقول: اتق الله وأمسك عليك زوجك.
فقد كان في خاطر النبي أنه إن طلقها تزوجتها كما أمر الله، وليس بلازم علي أن آمره بطلاقها، فهذا ما كان يجول في خاطره، فإذا بالله يعاتبه ويقول: {وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ} [الأحزاب:37]، فمهما أخفاه النبي صلى الله عليه وسلم فالله يبديه سبحانه، ولم يكن ليخفي شيئاً أبداً صلوات الله وسلامه عليه من شرع الله وقد قال له ربه: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} [المائدة:67].
فهنا لما طلقها زيد إذا بها تصير شيئاً كبيراً في نظره، فبعد أن طلقها صار يهابها، ويعلم أنها لا تليق إلا بالنبي صلى الله عليه وسلم ولا تليق بـ زيد، فتزوجها النبي صلى الله عليه وسلم وصارت أماً للمؤمنين بما فيهم زيد الذي كان زوجاً لها في يوم من الأيام.
وإذا بالمنافقين يتكلمون في هذا الشيء، ويقولون: كيف يتزوج زوجة ابنه؟ وهو يقول لنا: الرجل يحرم عليه أن يتزوج زوجة ابنه، فإذا بالله عز وجل يكذبهم في ذلك، ويخبر أن هذا ليس ابناً على الحقيقة، وكذلك كل من ادعيتموه من أولاد ليسوا أبناءكم، بل قال الله تعالى: {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ} [الأحزاب:5]، وإذا بالله عز وجل يشرع أنه لا يجوز التبني.
فيجوز أن تكفل اليتيم، وتربيه، أما أن تتبناه ويصير ابناً لك فلا يجوز ذلك، وهذا الأمر أمر عصيب على إنسان جربه، فلو أن إنساناً أخذ طفلاً من ملجأ ونسبه إلى نفسه ورباه فترة طويلة إلى أن كبر وصارت بينهما علاقة، وشفقة، فإنه يصعب عليه أن يقول له: لست ابني.
فلو أن الله عز وجل أنزل للناس هذا الحكم لكان يصعب عليهم تطبيقه، فإذا بالله ينزله أول مرة في النبي صلى الله عليه وسلم حتى نقتدي به، فإذا بالناس منهم من يقول: أأحب هذا أكثر من حب النبي صلى الله عليه وسلم لـ زيد؟ لا يكون أبداً، وهل هو متعلق بي أكثر من تعلق زيد بالنبي صلى الله عليه وسلم؟ لا يمكن أن يكون هذا الشيء، فإذا بالنبي صلى الله عليه وسلم يأمره ربه أن فارق هذا؛ فإنه ليس ابناً لك، ولكن ادعه لأبيه، فإذا به بعد أن كان اسمه زيد بن محمد عليه الصلاة والسلام يعود إلى اسمه الأول زيد بن حارثة.
أما كونه كان حبيباً للنبي صلى الله عليه وسلم فهذا لم ينقطع، إذ هو حبيب للنبي صلى الله عليه وسلم، وابنه أسامة بن زيد حبيب للنبي صلوات الله وسلامه عليه أيضاً.
إذاً: من أغراض هذه السورة تحريم التبني، وبدأ الله عز وجل بنبيه صلى الله عليه وسلم في ذلك.
ومن أغراضها: أنه يجوز لمن كان قد تبنى إنساناً أن يتزوج زوجة متبناه إن طلقها؛ لأنه ليس حماً لها على الحقيقة.
ومن أحكام هذه الآية أن الله سبحانه وتعالى يخبرنا أن الحق في قوله، وأنه العليم الخبير بأعمال العباد سبحانه، يقول تعالى: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا} [النساء:11]، ويقول تعالى: {وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} [البقرة:234]، ويقول تعالى: {وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ} [الأحزاب:4].
فمهما قلتم من شيء عارض كلام الله فكلام الله الحق وكلامكم الباطل، فخذوا بكلام الله سبحانه وتعالى.
ومن أغراض هذه السورة التنبيه على ولاية النبي صلى الله عليه وسلم للمؤمنين، بقوله تعالى: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ} [الأحزاب:6]، أي: حتى من أنفسهم، فإذا اختار الإنسان لنفسه شيئاً، واختار له النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً آخر فليأخذ هذا الذي اختاره النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه أولى به من نفسه.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم، وصل الله وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.