من الأحاديث العظيمة عنه صلوات الله وسلامه عليه حديث رواه الترمذي عن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن في الجنة لغرفاً يرى ظهورها من بطونها وبطونها من ظهورها) الغرف جمع، والغرفة معناها الموضع العالي، وأشرف المواضع في البيت يسمى الغرفة، فالجنات العالية فيها غرف، وعرفنا من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم أن الجنة لبنة من ذهب ولبنة من فضة، فليست من الطوب الذي عندنا، ولكن الحجارة التي في الجنة من اللؤلؤ والياقوت والذهب والفضة.
ومع كونها من ذلك فقد بلغ النقاء في هذه الأشياء التي بنيت منها هذه الغرف أن صاحب الغرفة يرى ما بداخلها من خارجها، ويرى ما بخارجها من داخلها، فهي غرف عظيمة طيبة، فالأعرابي لما سمع ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم قام إليه فقال: يا رسول الله! لمن هي يا رسول الله؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: (هي لمن أطاب الكلام، وأطعم الطعام، وأدام الصيام، وصلى لله بالليل والناس نيام) أي: أربع خصال إن فعلتها وعودت نفسك عليها كانت لك هذه الغرف العظيمة الطيبة سواء للرجال وللنساء.
قال صلى الله عليه وسلم: (هي لمن أطاب الكلام) والمعنى: أن كلامه طيب، وأسلوبه جميل في الكلام، وخلقه عظيم، فهو يتشبه بالنبي صلوات الله وسلامه عليه، وليس هو إنساناً نفوراً أو إنساناً يرفع صوته على الناس أو بذيء اللسان شتاماً سباباً، ومن صفات عباد الرحمن: {وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا} [الفرقان:63]، فالجاهل يؤذيه في الكلام، ومع ذلك فهذا العبد الصالح يرد عليه بطيب الكلام.
وقوله صلى الله عليه وسلم: (وأطعم الطعام) يعني: أكثر من الصدقة والهدية، فيطعم الضيف والفقير والمحتاج ويعطي للجار.
وقوله صلى الله عليه وسلم: (وأدام الصيام) أي: صام الشهر الذي فرضه الله سبحانه وأكثر من الصيام في غيره.
وقوله صلى الله عليه وسلم: (وصلى لله بالليل والناس نيام) إذا كان الناس يقظى فإن الإنسان قد يصلي مثلما يحصل في رمضان في صلاة القيام، فإن الناس يشجع بعضهم بعضاً، فإذا رأى إنسان إنساناً يصلي فإنه يصلي معه غيرة منه، فهذا شيء طيب أن الإنسان يغار في الخير، ولكن أفضل من ذلك أن يقوم بالليل وحده لا يراه أحد من الناس.
الإنسان وهو في بيته إذا قام بالليل والناس نائمون ومع ذلك لم يقل: أنه مثل الناس فينام مثلهم، ولكن قام لله عز وجل فصلى والناس نيام واستمتع بذلك؛ فهذا من أهل هذه الغرف التي يرى ظهورها من بطونها وبطونها من ظهورها.