سجود التلاوة ليس فرضاً، وإن كان عند الإمام أبي حنيفة رحمه الله واجب على قاعدته في التفريق بين الفرض والواجب، فهو يحتج بقول الله عز وجل: {فَمَا لَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ * وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لا يَسْجُدُونَ} [الانشقاق:20 - 21]، فيقول: هذه الآية حجة في وجوب السجود للتلاوة.
لكن جمهور العلماء يجيبون عن ذلك: بأن الله عز وجل ذم هؤلاء على ترك السجود؛ لأنهم لا يعتقدون فضله؛ لأنهم كفار، ولا يسجدون لله سبحانه تبارك وتعالى، ولا يعتقدون فضل ذلك، فذمهم على ذلك بقوله تعالى:: {فَمَا لَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ * وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لا يَسْجُدُونَ * بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ * وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُوعُونَ} [الانشقاق:20 - 23].
فهذه الآية في الكفار الذين لا يعتقدون فضل ذلك، لكن المؤمنين يقتدون بالنبي صلى الله عليه وسلم، فهو قد سجد وترك صلوات الله وسلامه عليه، وجاء عن عمر رضي الله عنه: أنه قرأ سورة النحل على المنبر، وأتى على السجدة ونزل فسجد فيها، وفي جمعة أخرى أتى على السجدة ولم ينزل ليسجد فيها.
يسن السجود للتالي وللمستمع، وهناك فرق بين المستمع والسامع، المستمع: الذي جلس للاستماع، والسامع: الذي مر فسمع، ولم يجلس للاستماع، فالذي يقرأ والذي يجلس للاستماع يسن لهما السجود، والذي لم يقصد السماع لا يلزمه ذلك، كما قدمنا عن عثمان وعن ابن عباس وعن عمران بن حصين رضي الله عنهم.
فالإنسان الذي يسمع الآيات التي فيها سجدة يسجد، ولا يغني الركوع عن السجود في غير الصلاة عند جماهير أهل العلم، فإما أن يسجد وإما أن يترك، لكن لا يركع بدلاً من السجود، فإن كان في الصلاة وقرأ السجدة وكان في آخر تلاوته، كأن يقرأ في سورة النجم مثلاً ووصل إلى قوله تعالى: {فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا} [النجم:62]، فإنه يجوز للإمام أن يكبر ويسجد، وبالتالي المأمومون معه يسجدون، ويجوز له أن يكتفي بالركوع؛ لأن السجود يكون بعده، وهذا ما عليه جمهور العلماء فيجوز له أنه يكبر ويركع، ويجوز له أن ينزل فيسجد، فإذا سجد ثم قام بعد ذلك فليقرأ آية ثم يركع للاستحباب، فلو أنه قام ولم يقرأ شيئاً ثم وقف ثم كبر وركع جاز له ذلك.
وينبغي للمأموم أن يتابع الإمام وأن ينظر إلى الإمام هل سيسجد أم لا؟ حتى لا تحصل مخالفة بين المأموم والإمام.
ولو فرضنا أنه حدث ذلك فلينبه المأموم بقول: سبحان الله ونحو ذلك، حتى يرجع المأموم ويدرك الإمام في ركوعه.