قال تعالى: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ} [السجدة:16]، هذا في قيام الليل، أي: يقوم الإنسان لله سبحانه وتعالى فيصلي بالليل، وجاءت أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم كثيرة في ذلك، وكان الصحابة ينتهزون الليل؛ ليقوموا بين يدي الله سبحانه، بل ينتهزون أيضاً زيادة ما بين المغرب والعشاء؛ ليقوموا لله عز وجل، فقد كان قيامهم بين يدي الله عز وجل بالليل يطول، وكانوا يتأولون هذه الآية، كما جاء في الحديث عند أبي داود وعند الترمذي (عن أنس بن مالك في هذه الآية: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ} [السجدة:16] قال: كانوا يتيقظون ما بين المغرب والعشاء يصلون)، وهذا حديث صحيح وفيه أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يصلون ما بين المغرب والعشاء، ويعتبرون ذلك من قيام الليل.
وكان الحسن يقول: قيام الليل، أما قيام الليل بعد العشاء فقد جاءت فيه أحاديث كثيرة عنه صلى الله عليه وسلم منها: ما رواه الترمذي عن أبي أمامة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (عليكم بقيام الليل) أي: الزموا قيام الليل، وهذا إغراء، كأنه يحفز ويحث ويحرض المؤمن على أن يقوم من الليل ولو بالشيء اليسير، ولو بأن تقرأ الفاتحة و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:1]، فأنت إذا قرأت عشر آيات من كتاب الله سبحانه لا تكتب من الغافلين، فلا تكن من الغافلين، وإذا قمت من الليل ولو وقتاً يسيراً قبل الفجر تصلي ركعتين بعشر آيات أو ما فوقها، تكون ممن ذكر الله سبحانه ولم تكن من الغافلين، قال صلى الله عليه وسلم: (عليكم بقيام الليل؛ فإنه دأب الصالحين قبلكم) أي: عادة الصالحين قبلكم، فقد كانوا يقومون بين يدي الله عز وجل بالليل، وقيام الليل عظيم جداً، فكونك تتشبه بالصالحين تكون منهم، كما ورد في الحديث: (ومن تشبه بقوم فهو منهم).
ثم قال: (وهو قربة إلى ربكم) أي: تتقربون لله عز وجل بقيام الليل.
وقال: (ومكفرة للسيئات) قوله: (مكفرة) هذا مصدر ميمي، معناه: أنه تكفير للسيئات.
(ومنهاة عن الإثم) يعني: ينهى صاحبه عن الإثم.
كذلك ورد في قيام الليل في القرآن: {إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا} [المزمل:6].
الناشئة: هي الارتفاع، يعني: بعدما نام الإنسان على فراشه ارتفع عن فراشه وقام لله عز وجل ليصلي، فالناشئة هي القيام بعد المنام، قوله: {هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا} أي: مواطأة بين اللسان وبين القلب، فأنت تقرأ بلسانك ما يستقر في قلبك، فهناك موافقة بين الاثنين، لكن في أحوال العبد في النهار وانشغاله بمعاشه تجده يقرأ ما يقرأ، ويسهو عما يقرأ وينسى أشياء بسبب ما ينشغل به، ولكن إذا قام لله عز وجل بالليل اجتمع قلبه، فينطق بلسانه ما يعيه قلبه، فيتفكر ويتدبر ويدعو ربه سبحانه مخلصاً لله عز وجل.
قوله: ((وَأَقْوَمُ قِيلًا)) أي: يقول قولاً مستقيماً في ذلك، ويقول أرضى الأقوال لله سبحانه وتعالى، للموافقة بين القلب واللسان.
فإذاً قيام الليل يكفر الله عز وجل به عن العبد السيئات، وقيام الليل ينهى صاحبه عن الإثم، قال تعالى: {إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} [العنكبوت:45]، وخصوصاً قيام الليل، وقيام الليل يقوي العبد على اجتناب المعاصي والآثام، ولذلك أفضل العباد هم الذين يواظبون على صلاة الفجر والعشاء في جماعة، والذين يقومون لله عز وجل من الليل ولو شيئاً يسيراً، فهؤلاء يكون لهم الأجر العظيم والقربى من الله، ولذلك ورد في حديث عمرو بن عبسة عند الترمذي أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (أقرب ما يكون الرب من العبد في جوف الليل الآخر؛ فإن استطعت أن تكون ممن يذكر الله في تلك الساعة فكن) أي: إذا قدرت أنك تكون من الذاكرين الله في آخر الليل فافعل.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم, وصل اللهم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.