روى الترمذي عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: (كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فأصبحت يوماً قريباً منه ونحن نسير، فقلت: يا رسول الله! أخبرني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني عن النار؟) وهذا السؤال من معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه سؤال عظيم، حيث تعلم معاذ وتعلم غيره من هذا السؤال العظيم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لقد سألتني عن عظيم) أي: سألتني عن شيء عظيم (وإنه ليسير على من يسره الله عليه: تعبد الله ولا تشرك به شيئاً)، فأمره بالعبادة ونهاه عن الشرك بالله سبحانه، (وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت).
فالنصيحة هي: إن كنت تريد دخول الجنة فهات هذه الفرائض التي فرضها الله عز وجل عليك وهي أركان الإسلام الخمسة.
ثم قال صلى الله عليه وسلم: (ألا أدلك على أبواب الخير؟ الصوم جنة) وهذا باب من أبواب الخير، (والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار، وصلاة الرجل من جوف الليل) وهذا باب عظيم من أبواب الخير حيث تقوم بالليل مصلياً لله سبحانه، (ثم تلا صلى الله عليه وسلم: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ} [السجدة:16])، فذكر هذه الآية، (ثم قال: ألا أخبرك برأس الأمر كله وعموده وذروة سنامه؟ قال: قلت: بلى يا رسول الله! قال: رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد.
ثم قال: ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟) أي: ما تملك به هذا كله؟ (قال: قلت: بلى يا نبي الله! -عليه الصلاة والسلام- فأخذ بلسانه وقال: كف عليك هذا) أي: أمسك بلسانه وقال: (هذا ملاك الأمر) أي: تملك أمر نفسك بأن تملك لسانك، فلا تنطق إلا بالخير، وتسكت عن الشر، فإذا ملكت لسانك وفقك الله عز وجل لكل الطاعات، فقال معاذ رضي الله عنه: (يا نبي الله! وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟) أي: كل شيء نتكلم به يحاسبنا عليه ربنا؟ قال صلى الله عليه وسلم: (ثكلتك أمك يا معاذ!) وهذه كلمة ليس المقصود بها الدعاء عليه، وإن كان أصلها أن الأم الثكلى: هي التي فقدت ابنها بأن مات، حيث أصله دعاء على الإنسان بالموت، وهنا ليس المقصود الدعاء عليه، بل التعجب من قول القائل والتوجع لكونه لم يفهم ما الذي قاله، فقال له صلى الله عليه وسلم: (ثكلتك أمك) يعني: عجباً لك يا معاذ! (وهل يكب الناس في النار على وجوههم أو على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم) أي: ما يكب إنسان على وجهه في نار جهنم إلا ما يحصده اللسان، وما يجمعه من شر.
والغرض أن الإنسان إذا أمسك لسانه وفقه الله سبحانه لجميع خصال الخير، ومن أفضل خصال الخير كما جاء في الأحاديث قيام الليل.
نسأل الله عز وجل أن يجعلنا من هؤلاء القائمين المخلصين.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم.
وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.