قال الله تعالى: {وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُوا رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ} [السجدة:12] يقول تعالى لنبيه صلوات الله وسلامه عليه: إعجب لما تراه من أمر هؤلاء، لو أنك ترى كيف يكون موقفهم عند الله عز وجل وكيف يصنعون وكيف يصنع بهم لرأيت العجب العجاب!! قوله: ((إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُوا رُءُوسِهِمْ)) المجرمون جمع مجرم، والمجرم هو الإنسان المخطئ الآثم صاحب الخطيئة، الذي كفر بالله عز وجل والذي أشرك بالله والذي أتى الكبائر من الذنوب، يعني: أجرم في حق الخلق وفي حق الخالق سبحانه وتعالى، ولو ترى هؤلاء المجرمين إذ هم يوم القيامة قد نكسوا رءوسهم من الذل والغم والحزن والحياء من الله عز وجل، قد طأطئوا رءوسهم في ذل يوم القيامة بين يدي الله عز وجل قائلين: {رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ} [السجدة:12] أي: رأينا النار والعذاب والموقف، وأيقنا من هذا الشيء، وسمعنا الوعيد وسمعنا التهديد وسمعنا التوبيخ، وعرفنا الحق الآن، فارجعنا إلى الدنيا، وقد قضى الله سبحانه أن الإنسان يعيش في الدنيا مرة واحدة، ولا يرجع إليها أبداً، فهؤلاء يطلبون المستحيل، فقالوا: ((فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ)) يعني: إذا أرجعتنا إلى الدنيا سنعمل العمل الصالح ونحن على يقين أن هذا وعد حق، ونحن لن نكذب، ولن نخلف، والله يعلم أنهم كذابون، ولذلك قال تعالى: {وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} [الأنعام:28]، يعلم أنهم كذابون، وأنهم إذا رجعوا للدنيا مرة ثانية لرجعوا إلى التكذيب.
إذاً: الله سبحانه أراد أن يكون هناك جنة ونار، وأراد أن يكون للجنة أهل وللنار أهل، فخاطب هؤلاء وقال: أنتم رجوعكم للدنيا لن يفيدنا شيئاً، لا إيمانكم يفيدنا ولا كفركم يضرنا، ولكن أريناكم قدرتنا على أن نثيب المطيع ونعذب العاصي.