يقول تعالى: {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [لقمان:27] ذكرنا أن هذه السورة مكية ولكن فيها أربع آيات مدنية هذه منها؛ لأن سبب نزولها اليهود، واليهود لم يكونوا بمكة وإنما كانوا بالمدينة، يقول ابن عباس: إن اليهود قالت يا محمد! كيف عنينا بهذا القول: {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} [الإسراء:85] أي: كيف يذكر الله عنا ذلك وقد آتانا التوراة فيها كلام الله وفيها أحكام الله، وفي القرآن أن الله أنزل التوراة فيها أحكام كل شيء وهي تبيان لكل شيء، قال تعالى: {إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ} [المائدة:44]، هذا كلام اليهود، فأنزل الله سبحانه وتعالى هذه الآية: {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ} [لقمان:27].
فالتوراة كلام من كلام الله عز وجل، والله يتكلم بما يشاء وقت ما يشاء سبحانه وتعالى، فلو أن الله قضى أقضية كثيرة فكتب قضاء الله سبحانه، ولو أنه تكلم سبحانه وتعالى بكلامه العظيم الجليل فقطعت الأشجار إلى أقلام والبحار التي في الأرض جميعها كل بحر يمده من ورائه سبعة أبحر تحولت إلى مداد، فكتب بهذه الأقلام وكتب بهذا المداد، والله يتكلم بقضائه وقدره وبكتبه سبحانه؛ لتكسرت الأقلام ونفدت ونفد المداد ولم تنفد كلمات الله سبحانه وتعالى وحكمه وقضاؤه وقدره! قال سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [لقمان:27] وانظر للمناسبة العظيمة بين الآيات وختام الآيات، فحين يتكلم عن عطاء الله سبحانه وتعالى وما يملكه الله سبحانه يختم بقوله: {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} [لقمان:26] وكل شيء ملك لله سبحانه، فهو الغني الذي يعطي من غناه سبحانه، وهو المستحق للحمد تبارك وتعالى.
(إن الله عزيز) أي: منيع الجانب غالب قاهر سبحانه وتعالى، (حكيم) ينزل ما يشاء بحكمة، ولو شاء لجعل القرآن العظيم الذي بين أيدينا مجلدات كثيرة فهو على كل شيء قدير، ولكن من يطيق ذلك؟ ومن يقدر أن يحفظ ذلك؟ فالله لرحمته بعباده أنزل هذا الكتاب العظيم على هذا القدر الذي فيه تفصيل كل شيء وفيه النفع بأحكامه، فما أنزله إلا بحكمته سبحانه وبعلمه.