وقد أرادت اليهود قتل النبي صلوات الله وسلامه عليه، فحينما جلس تحت حائط من حيطانهم أمروا أحدهم أن يصعد فوق الحائط ليرمي عليه حجراً؛ ليقتل النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد أوذي النبي صلى الله عليه وسلم أذى شديداً بالأقوال وبالأفعال، وقد أوذي من الإنس، ومن الشياطين عليه الصلاة والسلام، ثم نصره الله سبحانه، وأيد دينه ورفع ذكره عليه الصلاة والسلام، وأجره على صبره صلوات الله وسلامه عليه.
وقد كان مرة يصلي فتفلت عليه شيطان وفي يده شعلة من النار أراد أن يحرق بها النبي صلى الله عليه وسلم، وكان يوماً جالساً صلى الله عليه وسلم على حصير له فإذا بالشيطان يوعز لفأرة فتخطف شيئاً من النار وتأتي وتلقيه الحصير لتحرقه صلوات الله وسلامه عليه.
ويمسك شيطاناً بيده صلى الله عليه وسلم، ويخنقه وهو يتفلت عليه في صلاته يريد أن يقطع على النبي صلى الله عليه وسلم صلاته، ويتذكر دعوة سليمان عليه الصلاة والسلام: {وَهَبْ لِي مُلْكًا لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي} [ص:35] فيتركه النبي صلوات الله وسلامه عليه، فهؤلاء شياطين الجن، وأما شياطين الإنس فكان على رأسهم أبو جهل الذي قال النبي صلى الله عليه وسلم عنه: (هذا فرعون هذه الأمة)، فقد كان يكيد للنبي صلى الله عليه وسلم كيداً عظيماً، وكان عمه أبو لهب يمشي وراءه في الطرقات يشتمه عليه الصلاة والسلام، فيقول: هذا كذاب، نحن أهله أعلم به، كان يمشي النبي صلى الله عليه وسلم في الطريق ليدعو الناس إلى الله عز وجل ووراءه عمه يقول: هذا كذاب، هذا ساحر، هذا كذا، حتى يتفرق الناس عن النبي صلوات الله وسلامه عليه، وكانت قريش إذا جاء أحد من خارج القبيلة قالوا له: لا تذهب إليه، إنه ساحر، إنه مجنون، إنه كذا، عليه الصلاة والسلام.
وكانت امرأة أبي لهب حمالة الحطب العوراء أم جميل لعنة الله عليها وعلى زوجها، كانت تقف للنبي صلى الله عليه وسلم لتشتمه، عليه الصلاة والسلام، وكانوا يحرفون اسمه من محمد إلى مذمم، عليه الصلاة والسلام، ويشتمونه ويسبونه عليه الصلاة والسلام.
هذا مما ابتلي به النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يكن به هوان على الله عز وجل حتى يبتلى ويشتم صلوات الله وسلامه عليه، ولكن كان له صلى الله عليه وسلم درجة عالية عظيمة عند الله لا ينالها إلا بذلك، وبالصبر على ذلك، فصبر صلى الله عليه وسلم حتى فتح الله عز وجل له ونصره سبحانه تبارك وتعالى، وقد كانوا يكيدون له صلى الله عليه وسلم، ولكن الله يحميه ويحرسه، وإن كان قد يؤذى وقد يناله من التعب ومن النصب، ومن إسالة دمه صلى الله عليه وسلم في حروبهم وقتالهم وغزوهم، ثم بعد ذلك يفتح الله عز وجل له من فضله ومن رحمته، ولما فتحت الدنيا للنبي صلى الله عليه وسلم وانتصر وجاء نصر الله سبحانه، وفتحت مكة في العام الثامن، لم يذهب يحج صلى الله عليه وسلم؛ لوجود المشركين في مكة يحجون بيت الله، وهم يشركون بالله، ويطوفون بالبيت عراة رجالاً ونساءً، فلم يذهب ليطوف مع هؤلاء الكفار المشركين العراة، وإنما أرسل أبا بكر في العام التاسع ينادي: ألا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان، فانتهى الناس، فحج في العام العاشر صلوات الله وسلامه عليه ومعه الجم الغفير من خلق الله الذين وصل عددهم إلى حوالي مائة وثلاثين ألفاً من أصحابه عليه الصلاة والسلام، كلهم يأتمون به، فقد فتح الله عز وجل له القلوب والآذان، فقام يخطب في هذا الجمع العظيم في يوم عرفة، فأسمع الله الجميع خطبته صلوات الله وسلامه عليه، وكانت هذه الحجة الوحيدة التي حجها بعد هجرته صلوات الله وسلامه عليه، ومات بعدها بوقت يسير صلوات الله وسلامه عليه.
إذاً: لما فتحت له الدنيا، وفتحت له الأسماع والقلوب، انتهت وظيفته عليه الصلاة والسلام، فهو لم يخلق ليجني ثماراً في الدنيا، ولا لينال منها، وإنما خلق كما قال تعالى: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ} [آل عمران:144] وقد بلغت الرسالة، فالآن نقبضك، حتى لا تتمتع من الدنيا بشيء، وليكون نصيبك موفراً كاملاً وحظاً عظيماً عند الله سبحانه وتعالى.