بعد هذه الوصية وصى ربنا سبحانه وتعالى الإنسان بوالديه، فذكر الله سبحانه الإنسان بفضل والديه عليه، فقال: {وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ} [لقمان:14]، وتكرر معنى هذه الآية، كما في قوله تعالى: {وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا} [الأحقاف:15]، وقوله تعالى: {وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا} [العنكبوت:8].
وهذه وصية من الله عز وجل لكل إنسان بوالديه، فكما حملته أمه، ورباه أبواه فليوف لهما هذا الحق في وقت كبرهما.
وقوله تعالى: {حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ} [لقمان:14]، أي: ضعفاً على ضعف، والوهن على الوهن بمعنى: أطوار الحمل والتخليق للإنسان في بطن أمه، فكلما ازداد حجم الجنين في بطن أمه كلما ازداد ضعف الأم، وثقل بطنها، وازداد حملها، وإذا بها تضعف شيئاً فشيئاً إلى أن تلد، وتكون تلك الولادة أصعب شيء على الأم، حتى إنهم ليعدون هذا الحال حال موت، فهي إخراج روح من روح، ويحتمل أن تموت الأم، ويحتمل أن تعيش بعد ذلك، وفي هذا الوقت العصيب يكون أهم شيء عند الأم هو ابنها وجنينها الذي في بطنها، ولذلك وصى الله سبحانه وتعالى بالأم فقال: (حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ في عامين) والفصال: هو الفطام، وهو انفصال الابن عن أمه في أمر الرضاعة بعد عامين، فبعد أن ترضعه ينفصل عن الرضاع ويتغذى بغير لبن أمه.
قال الله تعالى: {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ} [لقمان:14]، هذا أمر من الله للعباد أن يشكروه، ويؤدوا حقه من عبادة وصلاة وصيام، ومن أمر بالمعروف ونهي عن المنكر، من طاعة لله، وثقة به، وحب لله سبحانه ولرسله عليهم الصلاة والسلام، وحب لدينه سبحانه، وبذل في سبيله، وجهاد وغير ذلك، فالإنسان المؤمن يجعل حياته كلها لله، كما قال الله سبحانه: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} [الأنعام:162 - 163].