يقول سبحانه: {وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ} [لقمان:12] يعني: بما آتيناك من حكمة فاشكر لربك سبحانه عليها، وكل إنسان يعطيه الله سبحانه من نعمه ما يشاء، فالفرض على كل عبد من العبيد أن يشكر ربه على نعمه العظيمة.
وكل نعم الله عظيمة، ومن أفضلها على العبد أن يجعله حكيماً، وأن يؤتيه العلم والسداد والحكمة؛ ولذلك قال ربنا سبحانه: {وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا} [البقرة:269] أي: من يؤت الحكمة فينطق بها، ويتفكر ويتعقل في الكلام وفيما خلق له، هذا من فضل الله عز وجل عليه.
وقوله سبحانه: (أن اشكر لله) بكسر النون هذه قراءة عاصم التي نقرؤها وكذلك قراءة البصريين أبي عمرو ويعقوب، وهي قراءة حمزة، وباقي القراء يقرءونها: (أنُ اشكر لله) بضم النون.
قوله سبحانه: {وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ} [لقمان:12] وذلك لأن الإنسان إذا شكر لله عز وجل فسيحصل على الزيادة كما قال سبحانه: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ} [إبراهيم:7] فكلما شكرت الله كلما أعطاك زيادة عن هذا الذي شكرته عليه؛ لذلك كانت التجارة مع الله سبحانه رابحة فكلما أعطاك نعمة وقلت: الحمد لله، زادك الله عليها من فضله.
فالإنسان الذي يفتح الله عز وجل عليه بالعلم يجب عليه أن يشكر ربه سبحانه على هذه النعمة العظيمة، التي يحتاج إلى أن يثبتها الله تبارك وتعالى له عنده، وأن يزيده منها؛ ولذلك علم الله النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو ربه بقوله: {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} [طه:114].
فقد أعطاه الله عز وجل النبوة والرسالة والحكم والحكمة والعلم عليه الصلاة والسلام، ومع ذلك أمره أن يسأل فوق ذلك وأن يستزيد، فالإنسان الذي يتعلم لا يشبع من علم أبداً؛ ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: (اثنان لا يشبعان: طالب علم وطالب دنيا) فطالب العلم لا يشبع من العلم، وطالب الدنيا لا يشبع من الدنيا.
فلذلك الذي يؤتيه الله عز وجل العلم والحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً من فضل الله ومن رحمته سبحانه.
وقوله سبحانه: {وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ} [لقمان:12] أي: الذي يشكر فشكره عائد إلى نفسه، أي: فضل هذا الشكر وثوابه يرجع إلى هذا العبد ولن ينتفع الله تبارك وتعالى منه شيئاً.
فالذي يعبد ربه هو الذي ينتفع، أما الله عز وجل فهو غني عن العالمين سبحانه، فلم يخلق العباد لحاجته إليهم سبحانه، ولكن لحاجة العباد إليه عز وجل، خلقهم لمقتضى رحمته؛ أي: ليرحمهم تبارك وتعالى، وليظهر فضله وعظمته وقدرته تبارك وتعالى.
وقد أوجد الله العباد ليعبدوه سبحانه، كما قال: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:56]؛ أي: ليكونوا عباداً له تبارك وتعالى، فينعم عليهم بفضله وبرحمته سبحانه.