قال الله تعالى: {وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ} [الروم:39] هذه الآية متعلقة بما قبلها، انظروا كيف بدأ الله سبحانه يذكر أن الإنسان عندما يعطيه الله رحمة من عنده سبحانه من مال ومن خير يفرح به ويفخر على غيره، وإذا ضيق الله عز وجل عليه يقنط، فكأن الله يقول: ظن بالله ظن الخير، وأحسن إلى الخلق، فالله يعطي والله يمنع، الله يقبض والله يبسط، {فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ} [الروم:38]، سواء ضيق الله عليك أو وسع عليك، أعط رزقك، {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا} [الطلاق:7].
قوله سبحانه: {وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا} [الروم:39] الربا حرم في سورة البقرة وهي مدنية، وهذه الآية مكية، وهنا ذكر الربا وكأنه تمهيد لتحريمه، وقد كان المنع من الربا نهائياً في خطبة الوداع حين قال صلى الله عليه وسلم: (وكل ربا الجاهلية موضوع تحت قدمي هاتين، وأول رباً أضعه ربا العباس)، فكان يوجد ربا للعباس رضي الله عنه في الجاهلية يتعامل به، فلما أسلم كان لا يزال يتعامل به، حتى حرم النبي صلى الله عليه وسلم ذلك في خطبة حجة الوداع.
وقول الله: {وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا} [الروم:39] لها معنيان: معنى الربا المعروف، ومعنى آخر مقصود وهو المقدم هنا في هذه الآية، فالربا أصله من الزيادة، فقالوا: {وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا} [الروم:39] هي الهدية، وما هو وجه الربا في هذه الهدية؟ قال ابن عباس: الربا نوعان: ربا حلال وربا حرام، الربا الحلال: هو الذي لا أجر لك فيه عند الله سبحانه وتعالى، وهو ما يفعله الناس فيما بينهم من هدايا، يعطي إنسان لأخيه هدية، أو يعطي ابنه إذا نجح هدية، وهذا هو الذي ذكره الله سبحانه وتعالى هنا، وهو المقصود بهذه الآية، وأكثر المفسرين من الصحابة والتابعين على هذا المعنى، {وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللَّهِ} [الروم:39] يعني: ليس لك أجر فيه عند الله سبحانه، تعطي هدية وتنتظر جزاءها، وبعض الناس ينتظر مثلها، وبعض الناس ينتظر أعظم منها، فالغني إذا أعطي هدية بجنيه، قد يرد بهدية بمائة جنيه، فهذا من أبواب الربا الذي ليس بحرام إلا على النبي صلى الله عليه وسلم، فهو محرم على النبي صلى الله عليه وسلم كما قال له الله في سورة المدثر: {وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ} [المدثر:6] يعني: لا تعط هدية تبتغي أكثر منها، لا تعط عطاءً تنتظر الرد أعظم منه، بل إذا أعطاك إنسان عطاء فأعطه مثله ومثليه وعشرة أمثاله، فالنبي صلى الله عليه وسلم مأمور أن يعطي أكثر مما يأخذ عليه الصلاة والسلام، أما غير النبي صلى الله عليه وسلم فبعضهم قد يعطي الهدية للقريب أو لغيره وينتظر عليها ما هو فوقها وما هو أعظم منها، وهذه الهدية ليس للإنسان أجر فيها، أما إذا أعطيت الهدية تبتغي بها وجه الله سبحانه وتعالى، وتبتغي صلة الرحم، فلك الأجر عند الله، وإذا ابتغيت أن يؤدى لك أكثر منها فليس لك أجر، وليس هذا حراماً عليك، ولكنه حرام على النبي صلى الله عليه وسلم فقط، ولكن ائتس بالنبي صلى الله عليه وسلم، فإذا أعطيت هدية فلا تنتظر الرد أعظم منها.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.
وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.