قال صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي: (وأهل الجنة ثلاثة: ذو سلطان مقسط متصدق موفق)، فهؤلاء من أهل الجنة، ذو سلطان يحكم المسلمين بالعدل ويتصدق، ويوفقه الله عز وجل للطاعة وللحكم بالعدل.
(ورجل رحيم رقيق القلب لكل ذي قربى ومسلم)، وهنا الثاني ليس له سلطان، ولكنه رجل من المسلمين من صفاته أنه رحيم رقيق القلب، أي: في قلبه مودة ورقة وحنان لكل ذي قربى ومسلم، فهو رحيم بكل ذي قربى وكل مسلم.
والثالث: (عفيف متعفف ذو عيال)، وهذا ليس إنساناً طماعاً، فلا ينظر إلى ما في أيدي الناس بل أعف نفسه عن الناس وتعفف عما في أيديهم، وحصن نفسه من الوقوع في الحرام، مع أن هذا الإنسان عنده عيال ويحتاج للإنفاق عليهم ولكنه عفيف متعفف.
نسأله أن يجعلنا من أهل جنته وأن يجعلنا من أهل ناره.
قال: (وأهل النار خمسة)، وبدأ بالضعيف من أهل النار، وهنا يظهر أن الضعيف من أهل النار غير الضعيف من أهل الجنة، فالجنة قالت لله عز وجل: (فيّ الضعفاء)، فمن أهل الجنة ضعفاء المؤمنين وأهل الفقر والحاجة والضعفاء والمرضى الذين رضوا بهذا الشيء وأطاعوا الله سبحانه وتعالى.
وذكر من أهل النار: (الضعيف الذي لا زبر له) أي: الذي لا منع له، والمقصود به هنا العقل، فليس له عقل يزجره عن معصية الله سبحانه وتعالى، وهو ضعيف ومع ضعفه لا يركن إلى الله بل يركن إلى الأقوياء من الناس، يقولون له: اعمل كذا فيعمل، استهزئ بفلان فيستهزئ، فيعصي الله ويكفر بالله؛ ليرضي سادته في الدنيا، قال عن أمثاله: (الذين هم فيكم تبع لا يبتغون أهلاً ولا مالاً)، لا يبتغون أي: لا مال معهم لزواج ولا غيره، بل يعيش متطفلاً على الناس، يمد يده للناس ويأخذ من هذا ويسرق ويعمل المعاصي التي حرمها الله سبحانه وتعالى، ويعمل ما يريد في الدنيا، ليس له قيمة عند الله عز وجل، ولا عند الناس، ولا في نفسه.
قال: (والخائن) أي: من أهل النار (الذي لا يخفى)، يخفى من الكلمات المتضادة فلها معنيان متضادان، خفي الشيء بمعنى: اختفى، وخفى أيضاً بمعنى: ظهر، فهنا الذي لا يخفى بمعنى: الذي لا يظهر له شيء، (وإن دق إلا خانه) يعني: في طبيعته الخيانة، فأي شيء يظهر له وإن كان ليس له قيمة يخون ويسرقه، فالإنسان الذي في طبعه الخيانة من أهل النار.
قال: (ورجل لا يصبح ولا يمسي إلا وهو يخادعك عن أهلك وعن مالك)، فهو من أصحاب الخديعة، وهو الإنسان الذي يخادع في أي شيء، فيستطيع أن يضحك على الناس وعلى زوجته، أو على بناته وعلى عياله، فهو يضحك على أي إنسان فيخدعه في ماله وفي أهله، وهذا من أهل النار.
قال: (لا يصبح ولا يمسي إلا وهو يخادعك)، وأصبح هؤلاء اليوم كثر، فتجد الإنسان يتعرف على صديقه ثم يخونه في زوجته، أو يخونه في ابنته، يمسي ويصبح وهو على هذا الحال، وقد يكون متزوجاً، وقد يصلي مع الناس في الجماعة، ولكنه يخون الناس ويخدعهم، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
قال: (والشنظير)، وهو الإنسان البخيل الذي يمنعه بخله عن التصدق وعن الإنفاق الواجب عليه في أهله وعياله ويمنعه عن الزكاة ونحو ذلك، وكذلك هو الإنسان الكذاب، فهؤلاء من أهل النار الذين ذكرهم النبي صلوات الله وسلامه عليه.
ثم ذكر راوي الحديث أنه سأل التابعي الذي روى له هذا الحديث، قال: أفيكون ذلك يا أبا عبد الله؟ وهو مطرف بن عبد الله فقال: (لقد أدركتهم في الجاهلية، وإن الرجل ليرعى على الحي وما به إلا وليدته يطأها) أي: قد أدركت مثل ذلك، وهو أن الرجل يكون راعياً، والناس يأمنونه على الغنم وعلى المكان الذي يرعى فيه الغنم، فإذا به يجد الوليدة الأمة فيزني بها والعياذ بالله، وهذا من الخديعة التي يكون بها صاحبها من أهل النار.
نسأل الله العفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.
وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.