يأمر الله نبيه صلوات الله وسلامه عليه بأن يقيم وجهه للدين حنيفاً فقال: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} [الروم:30] أي: قوم نفسك ووجه وجهك وتوجه إلى ربك، وإلى شرع الله سبحانه، وسر على الصراط المستقيم، فإقامة الوجه هو تقويم الطريق والمقصد والقوة على الجد في أعمال دين الله سبحانه وتعالى.
وخص وجه الإنسان بالذكر؛ لأن أشرف ما في الإنسان وجهه، والإنسان إذا وجه وجهه إلى شيء سيسير إلى هذه الوجهة التي توجه إليها.
قوله: ((فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ)) أي: دين رب العالمين.
قوله: ((حَنِيفًا)) أي: كن مستقيماً على هذا الدين، وسيكرر لنا مرة ثانية ويصف هذا الدين أنه الدين القيم العظيم فأقم وجهك للدين القيم.
إذاً: قوله: ((فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا)) أي: توجه إلى دين رب العالمين سبحانه حنيفاً، وأصل الحنف: الميل، ورجل أحنف بمعنى أن ساقيه مائلتان، ووصف إبراهيم بأنه حنيف عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام أي: مائل عن كل من على الأرض من مشركين بالله سبحانه وكفرة، فإبراهيم عليه الصلاة والسلام هو وحده الذي كان على التوحيد، فمال عن جميع الأديان الباطلة وأعرض عنها وابتعد عنها، فسمي بالحنيف، والحنيف هو المائل المبتعد عن الباطل.
ثم صارت هذه الكلمة دليلاً على الاستقامة، فأصبحت كلمة الحنيف على المعنى الشرعي أنه المستقيم على دين الله عز وجل.
فقوله: ((فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا)) أي: معتدلاً مائلاً عن الزيغ وعن الهوى وعن جميع الأديان المحرفة المنسوخة.
قوله: ((فِطْرَةَ اللَّهِ)) يعني: هذا الدين فطرة الله سبحانه وتعالى، الذي هو دين الإسلام دين الفطرة، وكأنه قال: فأقم وجهك للذي فطرك الله سبحانه وتعالى على هذا الدين العظيم.
وقوله: ((فِطْرَةَ اللَّهِ)) كلمة (فطرة) هذه مصدر، المعنى أنها نائب عن المفعول المطلق، كأنه فطر الله فطرة، وجاء بالمفعول المطلق الذي منها فقال: ((فِطْرَةَ اللَّهِ)).
وكلمة (فطرة) عند الوقف عليها هي مكتوبة بالتاء في المصحف، فإذا وقفت قرأت: (فطرت) بالتاء، هذا على قراءة الجمهور، ويقف عليها ابن كثير وأبو عمرو والكسائي ويعقوب بالهاء (فطرة).