قال الله تعالى: {وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ} [الروم:26] سبحانه وتعالى وله كل شيء، واللام لام الملك، يعني: الله يملكه ويخلقه ويتولى أمره ويدبره.
و (من) يعبر به عن العاقل، وقد يدخل غير العاقل بالتبع فيه، أي: كل من في السماوات ملك لله سبحانه، فهؤلاء العقلاء الذين يعقلون عبيد لله فكيف بمن لا يعقل؟ فالكل عبيد لله سبحانه وتعالى.
ثم قال: {كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ} أي: كلهم قنتوا لله سبحانه، وخضعوا وذلوا وأذعنوا لأمر الله سبحانه، فمنهم من فعل ذلك طوعاً، ومنهم من فعل ذلك كرهاً، فكثير من الناس يعبدون الله سبحانه، وكثيرون حق عليهم العذاب، والكل خاضعون لله سبحانه.
والخضوع الذي يفعله الإنسان بإرادته لله عز وجل هذا الذي يثاب عليه، والخضوع الذي يأتيه عنوة وقهراً عليه فهذا الذي لا يثاب عليه بشيء، ويكون من أهل النار في النهاية إذا كان كافراً بالله سبحانه.
فخضع الإنسان بمعنى ذل لرب العالمين، فالمؤمن خاضع لقضاء الله وقدره ولشرعه سبحانه وتعالى.
يقول الله: {كُنْ فَيَكُونُ} [البقرة:117] أي: إذا أمر الله بأمر كوني نفذ على عبده، لكن عندما يأمره بأمر شرعي، كأن يقول له: صل، صم، افعل المعروف، انه عن المنكر، فإن استجاب فهو مطيع لله سبحانه، راضٍ بمشيئة الله الكونية القدرية والشرعية الإرادية، أما الكافر فيعصي الله ويتبجح ويقول: لا إله، ولا يعبد شيئاً، أو يقول: الطبيعة خلقتني، أو يكذب على الله سبحانه ويزعم أن معه إلهاً، حاشا لله سبحانه وتعالى، فهنا يعصي ربه سبحانه في أمره الشرعي، أما في أمره الكوني القدري فمستحيل أن يعصي الله سبحانه، فهو خاضع ذليل لرب العالمين.
فقوله: ((كُنْ فَيَكُونُ)) لو قال للإنسان: امرض يمرض، نم ينام، فهو إذا أتته مصيبة وبلية من الله عز وجل لا يقدر أن يدفعها عن نفسه، فهنا هو خاضع ذلول لأمر الله الكوني القدري سبحانه وتعالى.
فالكل خاضع لله عز وجل، سواء أرادوا أم لم يريدوا ذلك.
فقوله: {كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ} [الروم:26] أي: منقادون لأمر الله، مطيعون لقضاء الله وقدره، لا يستطيعون أن يعترضوا على ذلك.
وقوله: ((كُلٌّ)) التنوين هنا تنوين عوض، يعني: كل واحد منهم لله عز وجل قانت خاضع ذليل بين يدي ربه سبحانه، مطيع لأمره الكوني القدري.