يعلمنا الله في القرآن ويذكرنا: أن سبحوا الله، وانظروا إلى بديع قدرته، وإلى آيات عظمته، ويذكر لنا من آياته حتى نتفكر في ذلك، ويتدبر ذلك نبينا صلوات الله وسلامه عليه، ويعلمنا أن الإنسان قبل نومه حي وعند نومه يصير ميتاً بهذا النوم، إذ إن الله يتوفى الأنفس حين موتها، والتي لم تمت يتوفاها في منامها، فالنوم أخو الموت، والنوم هو الموتة الصغرى، ولذلك فإن أهل الجنة لا ينامون في الجنة؛ لأن النوم أخو الموت، فذاك موت أكبر، وهذا موت أصغر، ولهذا جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه كان إذا نام عليه الصلاة والسلام ذكر الله عز وجل بأدعية معينة، وإذا قام من نومه ذكر الله بأدعية أخرى، ففي قيامه يقول: (الحمد لله الذي أحيانا بعدما أماتنا وإليه النشور)، ففي الإنسان نفسه آية من الآيات، فهو لا يستغني عن هذا الموت أبداً، فمن يستغني عن النوم؟ لا أحد يقدر على ذلك، فينام الإنسان ولا يقدر على الاستغناء عن هذا النوم الذي يحتاجه في كل يوم، فكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا نام يقول: (اللهم رب السموات ورب الأرض ورب العرش العظيم، فالق الحب والنوى، منزل التوراة والإنجيل والقرآن) فيذكر الله سبحانه تبارك وتعالى بأوصافه العظيمة، وبخلقه العظيم البديع، يقول: (فالق الحب والنوى، ومنزل التوراة والإنجيل والفرقان، أعوذ بك من شر كل شيء أنت آخذ بناصيته، أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء، اقض عني الدين، وأغنني من الفقر).
إن هذا الدعاء العظيم فيه تعظيم الله جل في علاه: (اللهم رب السموات ورب الأرض)، يعني: يا رب! يا خالق! يا رازق! يا مدبر أمر السموات والأرض!، (ورب العرش العظيم)، أي: يا خالق عرشك العظيم! يا مدبر أمره! يا ربنا ورب كل شيء! (فالق الحب والنوى)، فالله يفلق الحبة وقد كانت جامدة فيخرج منها ساقها ويخرج منها جذرها، ويخرج منها نباتها، فهو فالق الحب.
(وفالق النوى) أي: فلق النوى فأخرج منها النخلة العظيمة، فكأنه يقول: أنت الذي أحييت هذه الأشياء، ومناسبة ذكرها هنا: أني سأنام وأنت تحييني من هذا النوم، كما تحيي هذه الحبة فتصير سنبلة، وكما تحيي هذه النواة فتصير نخلة.
قال: (ومنزل التوراة والإنجيل والفرقان)، أما المناسبة هنا، فإن الله أنزل التوراة والإنجيل والقرآن، كما أنزل المطر من السماء، يحيي به الله عز وجل الأرض بعد موتها، وبهذه الكتب السماوية يحيي الله القلوب بعد كفرها وموتها، فالكتب السابقة للقرآن فيها حياة لخلق الله سبحانه حين أنزلها الله سبحانه إلى أن يأتي الله بغيرها، فجاء القرآن آخر كتاب من عند رب العالمين، أنزله سبحانه ليكون هو الشريعة إلى يوم الدين.
يقول صلى الله عليه وسلم بعد أن سأل الله بهذه الصفات: (أعوذ بك من شر كل شيء أنت آخذ بناصيته)، وفي رواية: (من شر كل ذي شر أنت آخذ بناصيته)؛ ليعلمنا أن الإنسان ينام ويتعوذ بالله من الشرور، فهو لا يدري ما الذي سيحدث له في الليل، وما الذي يأتي عليه في النهار، فيتعوذ بالله من شر كل ذي شر هو آخذ بناصيته، وكل شيء فإن الله آخذ بناصيته، سواء كان إنساناً، أو حيواناً، أو طيراً، أو دابة، أو هامة، أو ناراً، أو جماداً، أو ماءً، فيتعوذ بالله من كل شيء شيطاناً أو إنساً، أو غيره.
ثم قال صلى الله عليه وسلم: (أنت الأول فليس قبلك شيء) أي: أن الله هو الأول فلا شيء سابق عليه، فالله قبل كل شيء سبحانه، والله هو الحي بعد فناء كل شيء سبحانه تبارك وتعالى.
(وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر) أي: أن آيات الله ظاهرة، وحججه قوية غالبة، فالله هو الظاهر سبحانه، وهو الذي يدل كل شيء عليه سبحانه تبارك وتعالى، وكل شيء فيه آية تدل على ربنا سبحانه تبارك وتعالى وعلى وجوده، وعلى قدرته، وعلى ما يفعله في خلقه سبحانه من آياته، فهو الظاهر والغالب سبحانه لكل شيء، والقاهر لكل شيء.
قال: (فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء) أي: أن الله سبحانه تبارك وتعالى يعلم باطن كل شيء، ومهما بطن الشيء ومها اختفى، فإنه لا يخفى على الله سبحانه تبارك وتعالى، فيعلم الله الظاهر الواضح، ويعلم أيضاً الدقيق الخفي، وأيضاً فإن الله غيب لا يراه أحد إلا إذا شاء في جنة الخلود، فيري عباده الصالحين نفسه سبحانه وتعالى، فنسأله سبحانه أن يجعلنا ممن يرونه في جنته.
وبعد أن سأل الله بذلك قال: (اقض عنا الدين)، فسأله أن يقضي عنه الدين، والإنسان يعلق بدينه ولو مات شهيداً، فلذلك كان الدين من أخطر الأشياء على الإنسان، فإذا نام الإنسان، وعليه دين فلعله لا يقوم من نومه فماذا سيعمل بالدين؟ سيحبس في قبره، ويحبس على النار بسبب هذا الدين، والله عز وجل يقضيه عمن يشاء سبحانه.
قال صلى الله عليه وسلم: (وأغنني من الفقر).