قال الله تعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ} [الروم:15] قوله: ((فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ)) ليس الإيمان بالتمني ولكن هو ما وقر في القلب وصدقه العمل، يعني: لا بد مع الإيمان من العمل.
قوله تعالى: ((فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ)) الروضة عند العرب: هي المكان الجميل الذي يستمتع فيه الإنسان، يعني: هي مكان منخفض فيه غدير أو بئر ماء أو عين ماء نابعة تجري، وحول الماء ينبت البقول الذي في الأرض، فكانت العرب تفرح بهذا المكان، هذا الشيء في الدنيا، وكأن الله عز وجل يقول: أتحب هذا البستان؟ فما عند الله أعظم من هذا بكثير، وإن سميت روضة، فإنما هو من باب المشاكلة فقط، تشبهاً في الاسم فقط، أما في الحقيقة فما عند الله أعظم بكثير من هذا الذي ترونه في الدنيا، مهما ذهبت إلى حديقة في الربيع، ونظرت إلى ما فيها من ورود ومن ثمار ومن أشياء طيبة واستمتعت بها، فهي لا تسوى شيئاً بجوار الجنة، الجنة أعظم منها بكثير.
فيقول الله سبحانه وتعالى: ((فهم في روضة يحبرون))، قوله: ((يحبرون)) هذه كلمة جميلة جداً، حبر الشيء يعني: زين الشيء، فكأنهم يمتعون في الجنة بكل أنواع الزينة، ومهما تخيلت وتفكرت في الجنة فلن تصل إلى ما عليه هذه الجنة العظيمة، والنبي صلى الله عليه وسلم يذكر لنا الجنة ويقول: (فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر) يعني: ما لا عين رأت من جمال، ومن حور عين، وما فيها من نبت وثمار، وما فيها من طيور، وما فيها من متعة.
فإذاً: الإنسان لا يستطيع أن يتخيلها على حقيقتها.
قوله: (ولا أذن سمعت) يعني: الإنسان في الدنيا يريد أن يستمتع بالسماع، فتراه يسمع موسيقى، ويسمع أغاني، يريد أن يسمع كذا، وهذا الاستمتاع والاستماع قد حرمه الله عز وجل على المؤمنين في الدنيا، فلما حرم منها في الدنيا عوضه خيراً منها في الآخرة، فقيل للمؤمن: إن تصبر عن هذه في الدنيا فإنا سنسمعك ما لا أذن سمعت يوم القيامة في جنة الله عز وجل، تسمع موسيقى وتسمع أغاني وتسمع أصواتاً عمرك لم تسمعها، لو أن إنساناً يسمعها وهو في الجنة بقوته التي هو عليها في الدنيا لمات طرباً، لن يفرح ويضحك، بل سيموت من شدة الطرب؛ لأنه لا يتحملها الإنسان على ما هو عليه في هذه الدنيا، أما في الجنة فيعطى قوة عظيمة جداً، وأشياء ليست له الآن، لذلك يقول لك ربك: اصبر الآن في الدنيا عن سماع هذه الأشياء التي منعت من سماعها؛ لأنها في الدنيا تلهيك عن ذكر الله سبحانه وتعالى؛ ولأن هذه الأغاني فيها مجون وفيها خلاعة وفيها حب وفيها ضياع الإنسان وابتعاد عن الله سبحانه، ونحن في الجنة سنسمعك ما تطرب به وما تلذ به، ستسمع أصوات الملائكة، وتسمع أصوات الحور العين، وتسمع ما لم تسمعه أبداً، هذا مما يحبر به أهل الجنة، فهم يحبرون ويمتعون ويسرون ويكرمون ويسمعون ما لم يخطر على بالهم من ملاذ تستمتع به آذانهم في الجنة.