قال عز وجل: {فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ} [الروم:3]، قالوا: هذه أيضاً معجزة أخرى من معجزات القرآن العجيبة، فالأولى معجزة إخبار بغيب، والقرآن معجزة رب العالمين، في صياغته وإتقانه؛ لذلك الكفار لم يقدروا أن يأتوا بمثله، وتشريع القرآن معجز، ولا يقدر أحد أبداً أن يأتي بتشريع مثل تشريع رب العالمين سبحانه وتعالى أو يدانيه، كذلك في القرآن وجوه إعجازية، وإخبار بمغيبات، لم يطلع عليها النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يقرأ كتب أهل الكتاب، وهو الأمي صلى الله عليه وسلم، فكان يخبر بأشياء لا يعرفها أهل الكتاب، ويعجزهم بذلك.
ومن إعجازه أيضاً: ما ذكره علماء الأرض والجيولوجيا، قالوا: {فِي أَدْنَى الأَرْضِ} [الروم:3]، لها معنيان: معنى الدنو أي: القرب، فالمعركة التي وقعت بين الروم والفرس كانت في فلسطين عند البحر الميت، وفي نفس المكان انتصر الروم على الفرس بعد ذلك.
فمفهوم قوله تعالى: {فِي أَدْنَى الأَرْضِ} [الروم:3] أي: في أقرب الأرض إلينا، فبلاد الفرس شاسعة في الشمال، وبلاد الروم شاسعة في الشمال وفي الغرب، فأدنى الأرض إلينا فلسطين، فكانوا يفهمون المعنى على ذلك، وهو معنى صحيح، ولكن الآية أشارت إلى شيء آخر، وهو أن الدنو يأتي بمعنى: الشيء الأسفل، فقوله تعالى: {فِي أَدْنَى الأَرْضِ} [الروم:3] أي: في أسفل الأرض، وأخفض منطقة من الأرض، فلما بحث علماء الأرض هل المكان الذي حدثت فيه هذه الحرب كانت فعلاً أخفض الأرض كما ذكر الله سبحانه؟ قال الشيخ الزنداني: التقيت مع أحد من أساتذة علوم الجيولوجيا في أمريكا اسمه: البروفسور ظلمة وهو من كبار علماء الجيولوجيا في أمريكا، جاء زيارة ومعه نموذج للكرة الأرضية بها تفاصيل لارتفاعات ولانخفاضات وأعماق البحار، كله مبين بالتضاريس، ومحسوب بالمتر.
فسأله الشيخ عبد المجيد الزنداني: ما هي أخفض مناطق الأرض؟ إن الله سبحانه وتعالى يقول: {فِي أَدْنَى الأَرْضِ} [الروم:3]، وهي المنطقة التي حصلت فيها الحرب بين الروم وبين الفرس، فهي أخفض منطقة على الأرض، فإذا بالرجل يعاند؛ لأنه لم يسمع القرآن من قبل وقال: المناطق المنخفضة في الأرض كثيرة، فهناك منخفضات موجودة في هولندا، ومنخفضات موجودة في أمريكا، ومنخفضات موجودة في كذا، وحاول أن يفهمه أن هذا المكان ليس أخفض مناطق الأرض.
قال الشيخ عبد المجيد: واستغرب الرجل حين قلت مرة أخرى: أنا متأكد مما أقول، إن هذه أخفض منطقة في الأرض، فإذا بالرجل يخرج نموذج الكرة الأرضية التي معه، وأخذ يتتبع ما فيها من تضاريس، فوجد سهماً موجوداً على فلسطين، على مكان البحر الميت فقال: إنها فعلاً أخفض منطقة على سطح الكرة الأرضية، قال الشيخ عبد المجيد: أدار هذه الكرة الأرضية التي فيها الارتفاعات والانخفاضات بسرعة، فلما أدراها على منطقة بيت المقدس وعلى المنطقة التي حولها وجد سهماً طويلاً خارجاً من المنطقة، ومكتوب بخط واضح أخفض منطقة في العالم! فقال الرجل: صحيح، الأمر كما قلت: إنها أخفض منطقة في الأرض! هذه المنطقة موجودة تحت سطح البحر بحوالي ثلاثمائة وخمسة وتسعين متراً تحت سطح البحر، وهي المنطقة الوحيدة في العالم الذي تصل لهذا الدنو، ولهذا السهل من سطح البحر! وهذه معجزة أخرى في كتاب رب العالمين سبحانه.
والمعجزة الأولى قوله تعالى: {وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ} [الروم:3]، فأشار إلى أنهم سيغلبون بعد ذلك فكان الأمر على ما ذكر سبحانه وتعالى.
نسأل الله عز وجل أن يعلمنا ديننا وأن يفقهنا فيه.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.
وصلِّ اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.