الحمد لله رب العالمين, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.
قال الله عز وجل في آخر سورة العنكبوت: {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ * لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ وَلِيَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ * أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ * وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ * وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت:65 - 69].
في هذه الآيات الأخيرة من سورة العنكبوت يخبرنا الله عز وجل عن عظيم فضله على عباده، أنه هو الذي خلقهم وأنه هو الذي رزقهم، وأنه هو الذي نزل لهم من السماء ماءً فأحيا به الأرض بعد موتها، وأنه هو الذي ينجيهم في البر والبحر، فإذا ركبوا في الفلك فارتفعت عليهم الأمواج، وهاجت بهم الرياح، فلا يجدون ملجأً من الله إلا إليه، فيدعون الله مخلصين له الدين، متجردين له وحده لا شريك له بالعبادة، ويتركون آلهتهم والأنداد التي اتخذوها من دون الله عز وجل، ويتوجهون إليه وحده بالعبادة، فيدعونه مخلصين له الدين، فلما نجاهم إلى البر يرجعون مرة ثانية إلى شركهم بالله سبحانه، فليفعلوا ذلك، قال الله تعالى: {لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ وَلِيَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} [العنكبوت:66].
وهذا تهديد ووعيد من الله سبحانه لهؤلاء الكافرين، فهو يقول لهم: اكفروا بما شئتم، وتمتعوا بما شئتم، وانتظروا ما يأتيكم به الله عز وجل من عذاب فسوف تعلمون.
وهذه الآية قد تكرر معناها في القرآن ثلاث مرات، فقد قال الله تعالى في هذه السورة سورة العنكبوت: {لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ وَلِيَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} [العنكبوت:66]، وقال الله عز وجل في سورة النحل وفي سورة الروم: {فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ} [النحل:55]، فالله عز وجل يقول للكفار: {لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ وَلِيَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} [العنكبوت:66]، أي: تمتعوا بما شئتم في هذه الدنيا، فإنها لا قيمة لها، فلو كانت الدنيا تساوي عند الله جناح بعوضة ما سقى كافراً منها شربة ماء، فمن الأشياء التي يحسدهم عليها الناس، أن أعطاهم الله من المال وأعطاهم من النعم، وأعطاهم من البنين، وأعطاهم من القوة في أجسادهم، وأعطاهم من الثياب والرياش، وأعطاهم ما يتنعمون به، وهذا دليل على أن الدنيا حقيرة، فلو كانت تساوي شيئاً عند الله لما أعطى هؤلاء منها شيئاً.