ثم قال تعالى يفصل ما الذي يقعون فيه: {أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ} [العنكبوت:29].
فهذه جملة من الجرائم، وزد على ذلك أصل إجرامهم في كفرهم بالله سبحانه وتعالى، وأنهم كفار مشركون.
قال تعالى: (أئنكم لتأتون الرجال) إذاً: بدلاً من أن يتزوج الرجل المرأة يأتي الفاحشة، ويأتي الرجال بدلاً من النساء.
ثم قال تعالى: (وتقطعون السبيل) فهم قطاع طرق ولصوص، يقطعون الطريق على الناس بأخذ أموالهم وبجباية المكوس عليهم والضرائب التي يأخذونها من الناس، وكذلك يخطفون الناس من الطريق ليفعلوا بهم هذه الفاحشة.
قال تعالى: (وتأتون في ناديكم المنكر)، نادي القوم: المكان الذي يجتمعون فيه، فعند اجتماعهم فيها يفعلون جرائم تتكرر في مجتمعات الناس من السخرية والاستهزاء بالناس.
واجتمعوا على أن يفعلوا الفواحش في نواديهم، ولا ينكر بعضهم على بعض هذا الذي يقعون فيه من الفاحشة.
وجرائم قوم لوط إذا حدثت في قرية من القرى، أو في بلد من البلدان استوجبت عقوبة رب العالمين سبحانه وتعالى، واستحقوا أن يصيبهم مثل ما أصاب قوم لوط، فقد أصابهم ربنا سبحانه وتعالى ببلاء عظيم، وبعقوبة شديدة فضيعة.
وكذلك من يفعلون فعلهم، فلم يقع قوم في فاحشة قط حتى يعلنوا بها إلا أصابهم الله عز وجل بأنواع من البلاء ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم في حديث سوف نذكره بعد ذلك إن شاء الله.
فقال هنا لوط عليه الصلاة والسلام: (إنكم لتأتون الرجال وتقطعون السبيل وتأتون في ناديكم المنكر)، أي: إذا اجتمعوا في نواديهم حرض بعضهم بعضاً على الوقوع في الفاحشة، وعلى أذى الناس والاستهزاء بهم، فكانوا يقومون في نواديهم ينظرون من يمر في الطريق فيحذفونه بالحصى، ويسخرون منهم، ويأخذونهم ويخطفونهم ولا أحد ينكر عليهم ما يقعون فيه من منكرات.