قال سبحانه: {وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} [العنكبوت:3].
أي: ابتليناهم واختبرناهم وامتحناهم بالآيات في الدنيا، وبالتعذيب فيها، حتى نجحوا ونجاهم الله عز وجل، وأدخلهم الجنة.
قال تعالى: {فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} [العنكبوت:3].
في قوله: (فليعملن) (وليعلمن) اللام للتوكيد، والنون للتوكيد، فدخلت اللام على أول المضارع والنون المثقلة على آخره وهذا دليل على القسم، كأنه يقول: والله ليعلمن الله عز وجل ذلك، والله يعلم علم غيب، ويعلم علم الشهادة، و (ليعلمن) تفيد الاستقبال، فكأنه علم مخصوص، وقبل ذلك كان الله عز وجل يعلم كل شيء قبل أن يخلق البشر، فخلق الله عز وجل القلم وأمره أن يكتب ما يكون إلى يوم القيامة، فكتب هذا كله.
فالله عز وجل علم ما في اللوح المحفوظ؛ من أنه سيكون كذا وكذا، فلان مؤمن وفلان كافر وهكذا، لكن هنا علم آخر معناه: علم المشاهد، يعني: أن يحدث ذلك، فالله عز وجل في علمه أن فلاناً لو عاش يكون مؤمناً، أو لو عاش يكون كافراً، ولكنه قبضه قبل أن يكون كافراً، فعلم الله علم غيب، والعلم في الشهادة أن يحدث ذلك، وهذا الذي تكلم عنه سبحانه تبارك وتعالى (فليعلمن) أي: ليكونن ذلك، فقد علمه غيباً فقدره وسيعلمه حين يفعله هذا الإنسان، ويكتب كذلك بأنه فعل ذلك ليجازيه عليه.
فعلم الله عز وجل علمان لا يختلفان: علم غيب، وعلم شهادة.
علم غيب: قبل أن يخلق الإنسان قد علم الله ما هو كائن إلى يوم القيامة، وأن هذا مؤمن وأن هذا كافر، وأن هذا يعيش كذا فقدر أجله وعلمه، وشقي أو سعيد، ورزقه كله مقدر عند الله سبحانه، فعندما يحدث هذا الشيء يكون علم الشهادة وعلم بالحدوث لهذا الأمر.
قال تعالى: {فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ} [العنكبوت:3] أي: فليظهرن ذلك مشاهدة، {فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} [العنكبوت:3]، أي: فليعلمن الله الذين صدقوا في قولهم: لا إله إلا الله، وصدقوا في إيمانهم وزعمهم أنهم يحبون الله سبحانه وتعالى، وليعلمن الكاذبين الذين قالوا: آمنا وهم لم يؤمنوا، والذين كذبوا وادعوا أنهم يجاهدون في سيبل الله، فلما جاء الجهاد لم يفعلوا ذلك.