قال تعالى: {وَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ} [القصص:88].
أي: احذر أن تتخذ إلهاً غير الله، وحاشا له -وهو المعصوم- أن يعبد غير الله، ولكن إذا كان هذا الوعيد يخاطب به النبي صلى الله عليه وسلم فغيره من باب أولى أن يخاف من وعيد الله سبحانه.
قال: {وَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لا إِلَهَ} [القصص:88]، ولا بد من الوقوف هنا، فهذا يسمى وقفاً لازماً؛ لأنك لو وصلت أفسدت المعنى، إذاً: {وَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ} [القصص:88]، وتقف ثم تقول: {لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} [القصص:88] فهذا تقرير منه أنه الإله الواحد، وفيها يجوز المد الطويل -لمن يمد مداً طويلاً- ويجوز القصر، وإن كان أصحاب القصر كـ قالون وحفص وأبي عمرو وغيرهم يجوزون في ذلك المد، ويسمونه مد التعظيم، وذلك في كلمة (لا إله إلا الله)، فيمد فيها مداً متوسطاً، حتى ولو كان يقصر في غيرها، ويسمي هذا المد: بمد التعظيم لله سبحانه وتعالى.
قال تعالى: {لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} [القصص:88]، وقال في سورة الرحمن: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ} [الرحمن:26 - 27]، فعبر بالوجه، وليس معناه أن الوجه يبقى وحده، ولكن الوجه أعظم ما يكون فعبر به، فهو عبر بالبعض عن الكل.
فالله سبحانه تبارك وتعالى عندما يقول: {إِلَّا وَجْهَهُ} [القصص:88] معناه التعظيم، ونؤمن بالوجه لله عز وجل، فذكره هنا تعظيماً له، ولذلك يقول الثوري: سألت أبا عبيدة عن قوله تعالى: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} [القصص:88] فقال: إلا جاهه، كما تقول: لفلان وجه في الناس، أي: جاه في الناس، وهذا ليس معناه النفي لوجه الله عز وجل، بل هذا فيه إثبات لوجه الله، ولكن المعنى أنه يعبر بهذا الشيء عن العظمة.
فالمعنى: وجهه العظيم وذاته باقية وأما غيره كلهم فسيفنون.
قال: {لَهُ الْحُكْمُ} [القصص:88] وحده لا شريك له، يحكم بما يشاء ويفعل ما يريد: {وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [القصص:88] وهذه قراءة الجمهور، وقراءة يعقوب: (وإليه تَرجعون).
نسأل الله العفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة، وألا يجعلنا من المفسدين في الأرض، وأن يجعلنا من أهل الآخرة.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم.
وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.