قال الله تعالى: {وَقَالَ مُوسَى رَبِّي أَعْلَمُ بِمَنْ جَاءَ بِالْهُدَى مِنْ عِنْدِهِ وَمَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ} [القصص:37].
(ربي أعلم) هذه قراءة الجمهور.
وقراءة نافع وأبي جعفر وابن كثير وأبي عمرو: ((ربيَ أعلم)).
قوله: ((وَمَنْ تَكُونُ لَهُ)) هذه قراءة الجمهور.
وقراءة حمزة والكسائي وخلف: ((ومن يكونُ له)).
قوله: ((ومن يكون له عاقبة الدار)) يعني: من تكون له العاقبة الحسنة يوم القيامة.
قوله: ((إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ)) أي: مهما ظلمتم أيها القوم فإن عملكم لا ينجح، ولن تفلحوا في الدنيا ولا في الآخرة.
وقال فرعون لقومه: {يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي} [القصص:38] يقول: ((ما علمت)) وهو كذاب في نفسه ويعرف ذلك، وقال: ((يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ)) يبجلهم ويعظمهم حتى يستجيبوا له، ولم يقل: (يا أيها الناس) ولكن قال: ((يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ)) أي: يا كبار القوم يا وزراء يا رؤساء، {مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي} [القصص:38].
ثم قال: {فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ} [القصص:38] أي: سأذهب لأبحث عن الإله الذي يقول عنه موسى هذا، مع أنه لا يوجد في الأرض إله غيري، بزعمه وبكذبه لعنة الله عليه، فقال لـ هامان وزيره: ((فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ)) أي: اصنع لي طوباً أحمر من الآجر قوياً شديداً وابن لي صرحاً عظيماً وبرجاً عالياً هائلاً، حتى أطلع على هذا البرج وأنظر أين إله موسى هذا الذي يقول عنه، قال: {فَاجْعَل لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى} [القصص:38].
وهنا قوله: ((لعلي)) فيها قراءتان: يقرؤها نافع وأبو جعفر وابن كثير وأبو عمرو وابن عامر (لعليَ) بفتح الياء، والباقون (لعليْ أطلع) بسكونها.
ثم قال: {وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ} [القصص:38] الكذاب هو الذي يعلم أنه إنسان ضعيف، وأنه يحتاج إلى برج، ولو كان إلهاً لما احتاج إلى برج ليصعد عليه، والناس لو كانوا عقلاء لفهموا ذلك، ولكن الله عز وجل وسمهم ووصفهم بأن عقولهم خفيفة وأنهم أغبياء لا يفهمون، قال: {فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ} [الزخرف:54].
صعد فرعون فوق هذا الصرح العالي البناء المرتفع الهرم الذي بناه له لينظر في السماء، ثم نزل بعد ذلك وقال: ما رأيت إلهاً، فموسى يكذب عليكم فلا يوجد شيء فوق في السماء، وكأنه صعد إلى السماء أمام قومه، وقال قبل أن يصعد: ((وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ)) فهو لما صعد رجع إليهم وزعم لهم أن موسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام يكذب.
قال الله تعالى: {وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لا يُرْجَعُونَ} [القصص:39]، أي: فرحوا بما أخبرهم به فرعون لما رجع إليهم، وقال: ما رأيت إلهاً، فاستكبروا في الأرض بغير الحق وظنوا في أنفسهم أن الله لا يحاسبهم ولا يجزيهم، وظنوا أنهم لو بعثوا لكانوا أفضل حالاً مما هم عليه الآن، ولذلك كانوا يحنطون جثثهم ويجعلونها في القبور حتى يرجعوا للملك مرة ثانية.
قراءة الجمهور ((لا يُرْجَعون)).
وقراءة حمزة والكسائي وخلف ونافع ويعقوب: ((لا يَرْجعون)).