قوله: (تلك) إشارة واللام للبعد، فتكون الإشارة هنا للبعيد إما في رتبته وعظمته وإما في مكانه، فهنا إشارة لهذه الآيات التي بين أيدينا، وفيها تعظيم لهذه الآيات، فعندما تخبر عن إنسان أمامك تقول: هذا الرجل، فإذا أردت تعظيمه تقول: ذلك الرجل، يعني: تشير إليه كأنه بعيد في رتبته وعلوه.
فهنا يشير الله عز وجل إلى هذا القرآن فيقول: {تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ} [القصص:2]، وذكرها في موضع آخر: {تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ} [لقمان:2]، فالقرآن كتاب عظيم وكتاب كريم، وكتاب حكيم، وكتاب مبين.
(آيات) جمع آية.
(الكتاب) اللام للعهد وهو القرآن (الْمُبِينِ)، من بان الشيء بمعنى: وضح وظهر وتجلى، فليس به خفاء، فالقرآن ليس به خفاء، كل من يسمعه يفهمه سواء كان عالماً أو جاهلاً، وإن كان الله عز وجل فضل بعض الناس على بعض في الفهم، فلا يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون، ولكن عجيب أمر هذا القرآن العظيم أنه يسمعه الإنسان الأمي فيعجب ويطرب لكلام رب العالمين سبحانه، ويفهم ما يقوله ولو فهماً عاماً لما فيه، يسمعه الإنسان العالم فيفهمه آية آية وكلمة كلمة، وينظر إلى عباراته وفصاحته وبلاغته، وإلى ما فيه من فقه وأحكام، أمر عجيب في هذا القرآن كما سنرى.