تفسير قوله تعالى: (من جاء بالحسنة فله خير منها)

قال الله تعالى: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ} [النمل:89]، أي: الذي يفعل حسنة له خير منها، وإن كان كثير من العلماء على أن هذه الحسنة المقصود بها: كلمة: لا إله إلا الله، أو أن كل المفسرين تقريباً على هذا المعنى وهو أن الحسنة بالتعريف: المقصود منها: لا إله إلا الله، فلا شيء أفضل وأخير من لا إله إلا الله، وهي أعظم ما يقولها الإنسان، فالذي يأتي بها تكون له حسنة، والحسنة بعشرة أمثالها، فله خير من فعله عند الله: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ منها} [النمل:89]، والخير: هي جنة الخلود عند رب العالمين.

قال تعالى: {وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ} [النمل:89]، هذه الآية فيها ثلاث قراءات: فقراءة الكوفيين: {وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ} [النمل:89]، بتنوين العين، وقراءة نافع وأبي جعفر المدنيين: (وهم من فزعِ يومئذ آمنون) بالكسر بلا تنوين، وقراءة باقي القراء: (وهم من فزعِ يومِئِذٍ آمنون) بإضافة (يومئذ) إلى (فزع).

فمعنى قراءة الكوفيون: ((وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ))، أي: فزع عظيم، فنكره للتعظيم، وهذا الفزع يكون يوم القيامة، فالله عز وجل يؤمن المؤمنين وينجيهم منه، وينجيهم مما هو دونه كذلك، فهو الكريم الرءوف بعباده سبحانه.

وقراءة المدنيين، نافع وأبي جعفر: (وهم من فزعِ يومئذ آمنون)، فإضافة يومئذ إلى ما قبلها، وكأن المضاف إليه هو: يوم: مجرور بالفتحة، فمنع من الصرف لأضافته إلى إذ، ويجوز منعه وصرفه، ولذلك قراءة باقي القراء: (من فزعِ يومِئِذٍ) على الإضافة وعلى الصرف فيها.

إن الفزع يكون يوم القيامة؛ لأنه يوم يحاسب الله عز وجل به العباد، بعد أن يخرجون من قبورهم، والمؤمنون ينجيهم الله بكلمة: لا إله إلا الله، وقد جاء في الحديث أن العصاة ممن قال: لا إله إلا الله يدخلون النار، فإن قيل: لماذا لم يأمنهم الله من الفزع وهم قد قالوا: لا إله إلا الله؟ ف

صلى الله عليه وسلم أن هذا من المطلق الذي قيد بغيره، فالحسنة المذكورة في الآية وهي قول: لا إله إلا الله، إنما تنفع بشروط، وهي أن يأتي صاحبها بالأفعال التي تصلح بها هذه الكلمة، فإذا قال العبد: لا إله إلا الله، بلسانه، وصدق ذلك يقيناً بقلبه، وعمل بمقتضى ذلك بجوارحه كانت من أعظم الحسنات التي تجعل صاحبها ممن يؤمنهم الله سبحانه.

أما إذا قالها كلمة لا يعلمها ولا يفهم معناها، ولا يعمل بمقتضاها، فقد جاء في الحديث أن هذا يعذب في قبره، ويقال له: ما كنت تقول في الدنيا؟ وماذا كنت تعبد؟ وما هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ ومن ربك وما دينك؟ فلا يستطيع أن يقول شيئاً، فإذا أخبر عن كلمة لا إله إلا الله، يقول: سمعت الناس يقولونها فقلت.

أي: أنه قال كما قال الناس، بدون أن يفهم معناها، أو يعمل بمقتضاها، فيعذب في قبره، ويعذب كذلك في يوم القيامة، ولا يأمن من الفزع الأكبر.

إذاً: كلمة: لا إله إلا الله تنفع من أتى بشروطها، وشروطها: العلم، واليقين، والقبول، والانقياد، والصدق، والإخلاص، والمحبة، والولاء والبراء، فمن أتى بهذه الشروط نفعته لا إله إلا الله يوم القيامة، وأمنته من الفزع، ودخل بها الجنة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015