قوله تعالى: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ} [النمل:62] يتذكر الإنسان قول: لا حول ولا قوة إلا بالله أي: لا تحول لأحد، ولا حيلة إلا بالله، ولا قوة لأحد إلا بأن يعينه الله سبحانه وتعالى، وقول: (لا حول ولا قوة إلا بالله كنز من كنوز الجنة)، كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فالله الذي يجيب المضطر إذا دعاه، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو ربه قائلاً: (اللهم رحمتك أرجو، فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين، وأصلح لي شأني كله، لا إله إلا أنت) والمعنى: اللهم رحمتك أنت وحدك، صاحب الرحمة العظيمة، إياها أرجو، (فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين)؛ لأنه لو وكل الإنسان إلى نفسه، وظن أنه قادر على كل شيء، حينها يملي الله له ويرجيه، ثم يأخذه بسبب ما هو فيه من علو واستكبار.
ولذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم معلماً لنا: (اللهم رحمتك أرجو، فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين) وهنا أخر الفعل وقدم المفعول للاختصاص والتنبيه على أن الله وحده ذو الرحمة التي ترجى، كقولك: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5]، فالأصل (نعبدك) حيث يقدم الفعل ويليه المفعول، ولكن عندما يقدم المفعول فمعناه: الاختصاص بالله وحده سبحانه.
قال تعالى: {إِيَّاكَ} [الفاتحة:5] أي: وحدك لا شريك لك، لا أحد آخر، إذ لو قال الإنسان: أعبدك فقد يقال: يعبده ويعبد غيره، مثلما كان الكفار يعبدون الله ويشركون به سبحانه، أما عندما يقول: إياك أعبد فقد قدم المفعول للاختصاص، فأفصح أن العبادة تقتصر عليه وحده لا شريك له.
وفي الحديث: يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (اللهم رحمتك أرجو) إذاً: لا أرجو رحمة من أحد غيرك، فلو قال الإنسان: أرجو رحمتك، فقد يرجو رحمته ورحمة غيره، ولكن عندما يقول: (اللهم رحمتك أرجو) أي: فإن الرحمة الوحيدة تكون من عندك يا رب العالمين! وقد علم النبي صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل رضي الله عنه أن يدعو بدعاء لو كان عليه دين عظيم أداه الله عز وجل وأعانه عليه، وهو أن يقرأ آيتين في آل عمران: ({قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [آل عمران:26 - 27]، فيا رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما -رحمتك أرجو- تعطي من تشاء منهما وتمنع من تشاء، ارحمني رحمة تغنيني بها عن رحمة من سواك) فعلمه النبي صلى الله عليه وسلم أن يطلب رحمة من الله يستغني بها عن رحمة أحد سوى الله، فمن توكل على الله كان الله له نعم المولى ونعم الوكيل، ومن توكل على الله كفاه سبحانه، ورزقه من حيث لا يحتسب.
وكم من إنسان وقع في ضيق وفي أزمة، فلما ضاقت عليه الدنيا لجأ إلى الله وحده وناداه: يا رب! فإذا بالله يكشف ما به، فيكون كأمس الدابر، وكأنه لم يحدث شيء، والقصص في هذا المعنى كثيرة جداً.