يقول الله سبحانه وتعالى هنا: {أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا} [النمل:60]، يذكر الله سبحانه أنه خلق السماوات والأرض بما في السماوات من نجوم وأقمار ومجرات، فهي آيات عظيمة.
وأنزل من السماء ماء شربتم منه وادخرتموه، حتى وإن لم تدخروه فإن الله قد جعل له أماكن في الأرض يخزن فيها، فتنتفعون به وتشربونه.
ثم أنبت لكم به الحدائق العظيمة، فقال: {فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ} [النمل:60]، والحديقة: البستان الذي يحدق به الحائط، يعني: البستان المسور؛ ولهذا يسمى بالحديقة، وأما إذا كان من غير سور ولا حائط فيسمى: بستاناً، أو يسمى: حائطاً إذا كان عليه حائط، وقد وصف الحديقة هنا بأنها: ذات بهجة، أي: تبهجك وتسرك إذا نظرت إليها، والبهجة: المنظر الحسن الذي يريح الناظر، فيتمتع ويتفكه بما فيها، فيفرح بها ويسر، ومن الذي صنع لكم ذلك وأنتم: {مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا} [النمل:60]؟! فإن الإنسان لا يقدر أن يأخذ نواة ويضعها في الأرض وينبتها، بل إنه ينتظر فضل الله سبحانه أن ينزل الماء من السماء، وأن يأمرها أن تنبت بفضل الله وبرحمته، فكم من نواة يلقيها الإنسان ولا تنبت شيئاً! وكم من نواه يلقيها الإنسان لا يلقي لها بالاً وينبتها الله عز وجل بغير إرادة من أحد! فإن الله على كل شيء قدير، فمن الذي صنع ذلك؟ {أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ} [النمل:60]؟!
و صلى الله عليه وسلم إنه لا إله غير الله يستحق أن يعبد مع الله سبحانه، فالله هو الذي صنع ذلك، وهو الذي يستحق العبادة، ولكن هؤلاء قوم يعدلون، فكأنهم جعلوا الله معادلاً، وجعلوا له شريكاً، فهم قوم يشركون بالله.
نسأل الله عز وجل أن يحيينا على التوحيد، وأن يتوفانا عليه، وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.