التشبه بالكفار عادة الكفار في كل زمان، فقوم لوط قالوا عن لوط ومن معه: {أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ} [النمل:56]، ولم يكن مع لوط إلا ابنتاه، أما امرأته فكانت كافرة، وكانت تدل هؤلاء القوم على أضياف لوط عليه السلام، قال تعالى: {فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ} [النمل:56]، يعني: بسبب {إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ} [النمل:56]، أي: يتطهرون عما نحن فيه، وصاحب المعصية لا يحب أن ينظر إليه صاحب الطاعة في وقت معصيته، وإنما يريد إبعاده، كهؤلاء يريدون أن يطردوا لوطاً، مع أن وجود لوط في قريتهم كان رحمة من رب العالمين سبحانه بهم، فلم ينزل عليهم العذاب ولوط موجود بينهم، فأرادوا طرده، وفعل الله سبحانه وتعالى لهم ما أرادوا من إخراجه، فليسوا هم من أخرجه، وإنما أخرجه ربه سبحانه وتعالى؛ حتى يكون أصحاب هذه القرية كلهم عصاة، فتنزل العقوبة على الجميع من السماء.
ففتنهم الله عز وجل فتنة عجيبة، وذلك بأن أرسل ملائكة في صورة شباب حسان الوجوه؛ ليفتن بهم هؤلاء القوم، وكانوا ثلاثة فمروا على إبراهيم عليه الصلاة والسلام، فلما علم أنهم ملائكة جادلهم قائلاً: أتهلكون قرية فيها أربعمائة مؤمن؟ قالوا: لا، فما زال ينزل معهم إلى أن قال: أتهلكون قرية فيها مؤمن واحد؟ قالوا: ل،.
{قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطًا قَالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيهَا} [العنكبوت:32]، فلما أتوا إلى لوط نظر إليهم وقال: {هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ} [هود:77]، أي: ماذا سأعمل لهم وأنا وحدي، وليس معي جيش يدافع عني، وليس معي إلا بنتان؟ يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (رحم الله أخي لوطاً لقد كان يأوي إلى ركن شديد)، فكأنه نسي ذلك، أو كأنه يقصد جيشاً من البشر المؤمنين؛ ليجاهد بهم هؤلاء القوم.