قال تعالى: {لا يُؤْمِنُونَ بِهِ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الأَلِيمَ} [الشعراء:201] أي: لا يؤمنون إلا مجبرون حين يرون العذاب أمامهم، ولا ينفعهم إيمانهم في ذلك الحين.
قال تعالى: {فَيَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ} [الشعراء:202]، فإذا جاءهم العذاب من عند رب العالمين فإنه يأتيهم بغتة وهم لا يشعرون.
قال تعالى: {فَيَقُولُوا هَلْ نَحْنُ مُنظَرُونَ} [الشعراء:203] أي: يطلبون الانتظار من الله قليلاً حتى يؤمنوا ويدخلوا في هذا الدين؟ وكذلك سلك الله عز وجل التكذيب في قلوب هؤلاء كما كان من قبل في قلوب سابقيهم فلم يؤمنوا، كقوم نوح وعاد وثمود ولوط وأصحاب الأيكة وقوم إبراهيم حتى رأوا أمامهم عذاب رب العالمين سبحانه، فإذا جاء العذاب بغتة فلا ينفعهم إيمانهم إن أرادوا أن يدخلوا في هذا الدين؛ لأن الإيمان ينفع من آمن بالغيب، وصدق به من غير أن يرى ملائكة الله وعذاب الله سبحانه.
قال تعالى: {أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ} [الشعراء:204] أي: أفبعذاب رب العالمين يستعجلون؟! وهل عرفوا مدى عذاب رب العالمين؟! وهل عرفوا قوة الله سبحانه تبارك وتعالى وبطشه وأخذه للظالمين؟! قال سبحانه: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} [الأنعام:91]، فلو عرفوا قدر الله سبحانه وقوته وجبروته وملكوته لاستجابوا، ولما استعجلوا العذاب، ولما قالوا: {رَبَّنَا عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ} [ص:16].
قال سبحانه: {أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ} [الشعراء:205]، يقول الله للنبي صلى الله عليه وسلم: أخبرني عن هذا الأمر، فلو أننا متعناهم سنين، {ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ} [الشعراء:206] وفي النهاية يأتيهم أجلهم وهو موتهم، {مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ} [الشعراء:207]، وهذه عبرة لهؤلاء وعبرة لكل إنسان، فالإنسان الذي يطلب المتعة في الدنيا ولا يفرق أهي من حلال أو من حرام، فربنا يقول لهذا الذي يطلب من نعيم الدنيا: لو متعناه سنين فسيأتيه موته في النهاية، فإذا لم يأت الموت هذه السنة، فسيأتي في السنة القادمة، وإذا لم يأت اليوم فسيأتي غداً، فإذا جاء الموت هل يغني عنك هذا الذي تمتعت به، وهذا الذي كسبته من حرام وأكلته؟! فالإنسان يتفكر ويعتبر بمصير هؤلاء السابقين، واحذر الحرام واحذر التسويف، فمهما سوفت ففي النهاية سيأتي الموت.
وقد يأتي الموت للإنسان وهو على غير توبة، فيرجع إلى ربه فيحاسبه حساباً شديداً، فليتب الإنسان من الآن إلى الله عز وجل، وليحذر الانكباب على الدنيا، وليحذر طلب الدنيا المحرمة؛ حيث إنها تغطي عليه، وتعمي عينيه، وفي النهاية يأتي الموت كما جاء للسابقين عليه.