استعجال الكافرين للعذاب

يقول الله تعالى: {أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ} [الشعراء:204] أي: إنهم يطلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم العذاب، وليس عذاب البشر إنما هو عذاب رب العالمين سبحانه، فقد كانوا جهلة، ومن جهلهم: أنهم يقولون: {رَبَّنَا عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ} [ص:16] أي: يا الله! نريد العذاب الآن قبل يوم القيامة، وهذا دليل على جهل هؤلاء، فالعاقل لا يطلب من ربه هذا الشيء، وقد أعمى الله أبصارهم بل بصائرهم فلم يفقهوا ولم يفهموا حتى ما يقولون، فالدعاء الذين يدعونه لم يفهموه، ولعلنا سمعنا أن دعاءهم في يوم بدر هو: اللهم أهلك أقطعنا للرحم، أي: الذي يقطع الرحم، يقصدون النبي صلى الله عليه وسلم، وهو يقول: {قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} [الشورى:23] أي: أنا أريد أن أصل الرحم الذي بيني وبينكم، وهم يقولون: هو أقطعنا للرحم، صلوات الله وسلامه عليه.

ومن دعائهم كذلك قولهم -كما حكى الله عنهم-: {اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [الأنفال:32]، فيدعون بدعاء لا يقوله إلا إنسان غافل غبي لا يفهم ما يقول، فبدلاً من أن يقولوا: أرشدنا إلى الحق واهدنا إليه، يقولون: إذا كان هذا حق فأنزل علينا عذاباً من عندك.

قال الله سبحانه عن هؤلاء: {أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ * أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ * ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ} [الشعراء:204 - 206] أي: لو تركناهم يتمتعون ويأكلون ويشربون ويلبسون ويتزوجون سنين طويلة، وفي النهاية جاءهم الموت: {ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ} [الشعراء:206]، فهل أغنى عنهم هذا المتاع الذي تمتعوه؟ وهل أغنى عنهم طعامهم وشرابهم وقصورهم وبيوتهم؟ فلو كانت تغني لأغنت عن السابقين، ولكن: {مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ} [الشعراء:207].

طور بواسطة نورين ميديا © 2015