إن الله عز وجل يخبرنا هنا بقوله: {أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ} [الشعراء:197] أي: دعك من هؤلاء الجهلة الذين لا يقرءون ولا يكتبون، ولذلك لما أتاهم النبي صلى الله عليه وسلم مرة في مدراسهم وهم جالسون في كنيستهم سألهم عن الرجم -وقد أتوه برجل وامرأة قد زنيا-: (أما تجدون الرجم عندكم؟ قالوا: لا)، فأما أهل العلم منهم فيعرفون، وأما الأغلبية منهم فجهلة لا يقرءون؛ لأن كتابهم بلغة غير لغتهم، وهم لا يقرءون لا بلغتهم ولا بلغة غيرهم، وإنما يعتمدون على من يقرأ في التوراة، وقد علم النبي صلى الله عليه وسلم أن حكم الرجم مما لم يحرفوه في التوراة، فإنهم قد حرفوا أشياء لكن حكم الرجم هذا لم يحرفوه، قال تعالى: {فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [آل عمران:93] أي: هاتوا التوراة واتلوها إن كنتم صادقين، فأتوا بالتوراة، وإذا بالقارئ يضع يده على الآية التي فيها الرجم ويقرأ ما قبلها وما بعدها؛ حتى لا يراها النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا برجل ممن معه يقول: ارفع يدك واقرأ الذي تحت يدك، فرفع يده فقرأها، فبهت القوم لما سمعوا ذلك.
وهذا من إفكهم وكذبهم على الله سبحانه، فقارئهم يضع يده على آية في كتاب الله وهو من كبرائهم، فإذا كان قارئ التوراة يفعل ذلك فكيف بباقي هؤلاء أولاد القردة والخنازير لعنة الله عليهم؟! فالله عز وجل يخبرنا أن علماءهم يعرفون ذلك تماماً فيقول: {أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ} [الشعراء:197] أي: أن يعلموا أن هذا القرآن كلام رب العالمين، وأن هذا النبي صلى الله عليه وسلم مرسل من عند الله.
قال سبحانه: {وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ} [الشعراء:198] أي: هذا الوحي وهذا القرآن العظيم، {عَلَى بَعْضِ الأَعْجَمِينَ} [الشعراء:198] كما يدعون، فقد كانوا يدعون أن غلاماً أعجمياً هو الذي يعلم النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يقولون: إن رجلاً اسمه رحمن موجود في اليمامة هو الذي يعلم النبي صلى الله عليه وسلم، وهم يعرفون أنهم كذابون في ذلك، وأن ما ادعوه غير موجود، فيقول الله سبحانه -يخاطب عقولهم لو كانوا يفهمون-: {وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ عَلَى بَعْضِ الأَعْجَمِينَ * فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ مَا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ} [الشعراء:198 - 199] أي: إذا كان بالغة العربية فلا يريدون أن يؤمنوا، أو باللغة الأعجمية فسيقولون: نحن لا نفهم ماذا يقول، فلا يؤمنون به.