الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحابته أجمعين.
قال الله عز وجل في سورة الشعراء: {كَذَّبَ أَصْحَابُ الأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلا تَتَّقُونَ * إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ * فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ * وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الشعراء:176 - 180].
قصة شعيب مع قومه هي القصة السابعة في هذه السورة الكريمة سورة الشعراء، فيذكر الله سبحانه وتعالى فيها قصة شعيب النبي عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام مع قومه، وقومه هم أهل مدين وذكر هنا أنهم أصحاب الأيكة، وقد كان أهل مدين وهم أصحاب الأيكة عرباً يسكنون قرية اسمها مدين من أطراف الشام، وكانت ذات غيضات وذات حدائق وبساتين، والأيكة هي الشجر الشجر العظيم الأغصان الملتفة بعضها على بعض من كثرة الري، وكانوا قريبين من قرى قوم لوط، وكانوا بعدهم بزمان ليس بالبعيد.
ومدين من أبناء إبراهيم على نبينا وعليه الصلاة والسلام، قالوا هو: مدين مديان بن إبراهيم على نبينا وعليه الصلاة والسلام، ولوط هو ابن أخي إبراهيم الخليل، إذاً: فالمدة الزمنية قريبة بين مدين وقوم لوط، ولذلك حذرهم نبيهم أنه قد يلحقهم ما أصاب الذين من قبلهم كقوم عاد وقوم ثمود وقوم لوط.
يقول الله سبحانه: {كَذَّبَ أَصْحَابُ الأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ} [الشعراء:176]، قراءة الجمهور (الأيكةِ) بالكسر، وقراءة نافع وأبي جعفر وابن كثير وابن عامر:) كَذَّبَ أَصْحَابُ الأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ)، وكأنها هنا ممنوعة من الصرف فجرت بالفتحة على هذه القراءة، فقيل: إنها اسم للبلد، وكأن (ليكة) اسم لهذه البلد، و (الأيكة) بمعنى الأغصان الملتفة في هذه الأشجار العظيمة التي في حدائقهم، فهم أصحاب الأيكة وأصحاب ليكة.
قوله {كَذَّبَ أَصْحَابُ الأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ} أي: كذبوا رسولهم شعيباً على نبينا وعليه الصلاة والسلام، وكان شعيب يلقب بخطيب الأنبياء لفصاحته، وكان شعيب من العرب عليه الصلاة والسلام، وكان فصيحاً، ونرى فصاحته وبلاغته في الكلام الذي يسوقه الله عز وجل لنا في هذه القصة، سواءٌ في سورة الشعراء أو في سورة الأعراف أو في سورة هود أو في سورة الحجر، فقد ذكر سبحانه القصة طويلة في هذه السور الأربع.
فذكر الله سبحانه وتعالى أنه قال لهم: {إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلا تَتَّقُونَ} [الشعراء:177]، فأمرهم بتقوى الله سبحانه وتعالى، {إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ} [الشعراء:178] أي: هو كغيره من رسل الله عليهم وعلى نبينا الصلاة والسلام، فكلهم أمناء على تبليغ رسالة رب العالمين، وكلهم معهود منهم في أقوامهم الصدق والأمانة، وأنهم لم يكذبوا ولم يفسدوا أبداً قبل ذلك، فقال: {إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ * فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ} [الشعراء:178 - 179]، وهذه المقدمة في جميع القصص التي قبلها في عاد وثمود وقوم لوط، وكذلك أصحاب الأيكة كرر الله عز وجل هذا الذي قاله الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.
(وأطيعون) فيها القراءتان كما تقدم في مثيلتها، قال: {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ * وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الشعراء:179 - 180].