الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
اللهم صل وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحابته أجمعين.
قال الله عز وجل في سورة الشعراء: {كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلا تَتَّقُونَ * إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ * فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ * وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ * أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ * وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ * قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا لُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ * قَالَ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقَالِينَ * رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ * فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ * ثُمَّ دَمَّرْنَا الآخَرِينَ * وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنذَرِينَ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ * وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} [الشعراء:160 - 175].
هذه قصة أخرى من قصص سورة الشعراء يذكر الله عز وجل فيها قوماً ممن كذبوا وأعرضوا عن ربهم سبحانه، وبدلوا نعمة الله كفراً، وأتوا الفواحش، وأفسدوا في الأرض وخانوا، فابتلاهم الله سبحانه وتعالى، ثم جاءهم العذاب، وختم هذه القصة بقوله سبحانه: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ * وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} [الشعراء:174 - 175].
إنَّ قصة قوم لوط وما صنعوه عبرة من العبر، وما فعل بهم عبرة من العبر، وينبغي على كل إنسان مؤمن أن يتأمل في هذه القصص القرآنية، فإن الله عز وجل لم يسقها كنوع من التسلية يتسلى بها الإنسان مثلاً، وإنما ساقها الله عز وجل حتى يعتبر الإنسان، قال سبحانه: {فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ} [الحشر:2] أي: قيسوا أنفسكم على هؤلاء السابقين، فإذا فعلتم مثل فعالهم فانتظروا عقوبةً كعقوبتهم، قال تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ * وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} [الشعراء:174 - 175].
ذكر الله عز وجل قبل ذلك قصة موسى على نبينا وعليه الصلاة والسلام، وقصة إبراهيم، وقصة هود مع قوم عاد، وقصة صالح مع ثمود، وهذه قصة لوط على نبينا وعليه الصلاة والسلام مع قومه، قال سبحانه وتعالى هنا: {كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ} [الشعراء:160] وهذه كبداية كل قصة، فقد كرر ذلك مرات، قال الله تعالى في قوم عاد: {كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلا تَتَّقُونَ * إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ * فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ * وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الشعراء:123 - 127]، وبنفس الافتتاح افتتح به هذه القصة، كما كرر ذلك في قوم عاد وقوم ثمود وأصحاب الأيكة.
قال الله تعالى: {كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلا تَتَّقُونَ} [الشعراء:160 - 161].
فقوم لوط كذبوا لوطاً وهو رسول واحد، ولكن من كذب رسولاً فقد كذب كل الرسل عليهم وعلى نبينا الصلاة والسلام؛ لأن دعوة الرسل دعوة واحدة، ولوط رسول رأوه أمامهم، ونشأ بينهم، فقوم عاد أخوهم هود، وقوم ثمود أخوهم صالح، وأما لوطٌ فغريب عنهم، ولكنه جاء فعاش بينهم، فعلموا صدقه، وعرفوا حاله عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام.
فالغرض: إذا كان هذا الرسول بينهم وهم يرونه ويسمعونه، ويعرفون أنه أمين لا يخون، وأنه صادق لا يكذب، وقد دعاهم إلى الله فأعرضوا، فكيف بغيره من الرسل الذين لم يروهم، فلو أن الله عز وجل أخبرهم على ألسنة هؤلاء أن صدقوا وآمنوا فإنهم لا يؤمنون، ومن كذب رسولاً واحداً فهو حري أن يكذب الباقين، ومعلومٌ أن دعوة جميع الرسل عليهم الصلاة والسلام: {اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [الأعراف:73].
ولذلك قال الله سبحانه: {كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلا تَتَّقُونَ} [الشعراء:160 - 161] ومن المناسب أن يقول الله عز وجل: المرسلين، ولا يذكر الرسل مثلاً، أو يقول: كذبت قوم لوط رسولهم؛ لأن الفواصل مختومة بالياء والنون أو بالواو والنون، فختم كل آية مناسب لذلك، فتكون هذه الفاصلة كالتي قبلها والتي بعدها.
قال الله تعالى: {إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ} [الشعراء:161] أي: نبيهم لوط على نبينا وعليه الصلاة والسلام، ولم يكن منهم، بل هاجر إليهم، وهو ابن أخي إبراهيم على نبينا وعليه الصلاة والسلام، وإبراهيم الخليل أخوه اسمه هاران، وابن أخيه لوط بن هاران بن تارخ، وتارخ أبو إبراهيم ويدعى آزر، وكان إبراهيم ولوط في العراق، وهاجر لوط مع إبراهيم من العراق إلى الشام، فذهب إبراهيم إلى مكان، واستأذن لوط عمه وذهب إلى هؤلاء القوم في قرية اسمها سدوم يدعوهم إلى دين الله سبحانه وتعالى، وعاش معهم فترة؛ ولذلك قال الله سبحانه: {إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ} [الشعراء:161].
وإن كان ليس أخاً لهم في نسبهم، ولكن في الأخوة البشرية، أو يقال: فلان أخو القبيلة، يعني: من هذه القبيلة، فهو هاجر إليهم ومكث عندهم فكأنه أخ لهم.