فَسَارَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ (?) فِي أَلْفٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَلَمَّا كَانَ بالشَّوط رَجَعَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ فِي ثُلُث الْجَيْشِ مُغْضَبا؛ لِكَوْنِهِ لَمْ يَرْجِعْ إِلَى قَوْلِهِ، وَقَالَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ: لَوْ نَعْلَمُ الْيَوْمَ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ، وَلَكِّنَّا لَا نَرَاكُمْ تُقَاتِلُونَ الْيَوْمَ.

وَاسْتَمَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَائِرًا حَتَّى نَزَلَ الشِّعْب مِنْ أُحُد فِي عَدْوَةِ الْوَادِي. وَجَعَلَ ظَهْرَهُ وَعَسْكَرَهُ إِلَى أُحُدٍ وَقَالَ: "لَا يُقَاتِلَنَّ أَحَدٌ حَتَّى نَأْمُرَهُ بِالْقِتَالِ".

وَتَهَيَّأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْقِتَالِ وَهُوَ فِي سَبْعِمِائَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، وأمَّر عَلَى الرُّمَاةِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جُبَيْر أَخَا بَنِي عَمْرو بْنِ عَوْفٍ، وَالرُّمَاةُ يَوْمَئِذٍ خَمْسُونَ رَجُلًا فَقَالَ لَهُمْ: "انْضَحُوا الخَيْلَ عَنَّا، وَلا نُؤْتَيَنَّ مِنْ قِبَلِكُمْ. والْزَمُوا مَكَانَكُمْ إنْ كَانَتِ النَّوْبَةُ لَنَا أوْعَلَيْنَا، وإنْ رَأيْتُمُونَا تَخَطَّفُنا الطَّيْرُ فَلا تَبْرَحُوا مَكَانَكُمْ".

وَظَاهَرَ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ دِرْعَيْنِ، وَأَعْطَى اللِّوَاءَ مُصْعَب بْنَ عُمَير أَخَا بَنِي عَبْدِ الدَّارِ. وَأَجَازَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْضَ الغِلْمان يَوْمَئِذٍ وَأَرْجَأَ آخَرِينَ، حَتَّى أَمْضَاهُمْ يَوْمَ الْخَنْدَقِ بَعْدَ هَذَا الْيَوْمِ بِقَرِيبٍ مِنْ سَنَتَيْنِ.

وتعبَّأت قُرَيْشٌ وَهُمْ ثَلَاثَةُ آلَافٍ، وَمَعَهُمْ مِائَتَا فَرَس قَدْ جَنَبوها (?) فَجَعَلُوا عَلَى مَيْمَنة الْخَيْلِ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ: وَعَلَى الْمَيْسَرَةِ عِكْرِمة بْنَ أَبِي جَهْل، وَدَفَعُوا إِلَى بَنِي عَبْدِ الدَّارِ اللِّوَاءَ. ثُمَّ كَانَ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ مَا سَيَأْتِي تَفْصِيلُهُ فِي مَوَاضِعِهِ عِنْدَ هَذِهِ الْآيَاتِ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: {وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ} أي: بَيّن لهم منازلهم ونجعلهم (?) مَيْمَنة ومَيْسَرة وَحَيْثُ أَمَرْتَهُمْ {وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} أَيْ: سَمِيعٌ لِمَا تَقُولُونَ، عَلِيمٌ بِضَمَائِرِكُمْ.

وَقَدْ أَوْرَدَ ابْنُ جَرِيرٍ هَاهُنَا سُؤَالًا حَاصِلُهُ: كَيْفَ يقولونَ: إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَارَ (?) إِلَى أُحُدٍ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ [تَعَالَى] (?) {وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ} ؟ ثُمَّ كَانَ جَوَابُهُ عَنْهُ: أَنَّ غُدُوَّهُ لِيُبَوِّئَهُمْ (?) مَقَاعِدَ، إِنَّمَا كَانَ يَوْمَ السَّبْتِ أَوَّلَ النَّهَارِ.

وَقَوْلُهُ: {إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا [وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ] (?) } قَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: قَالَ عَمْرو: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: فِينَا نَزَلَتْ: {إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا [وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ] (?) } قَالَ: نَحْنُ الطَّائِفَتَانِ بَنُو حارثَة وَبَنُو سَلَمة، وَمَا نحِب -وَقَالَ سُفْيَانُ مَرَّةً: وَمَا يسرنِي-أنَّها لَمْ تَنزلْ، لِقَوْلِ (?) اللَّهِ تَعَالَى: {وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا} .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015