109

{وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأمُورُ (109) }

يَقُولُ تَعَالَى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ} أَيْ: مُنْتَصِبَةٌ لِلْقِيَامِ بِأَمْرِ اللَّهِ، فِي الدَّعْوَةِ إِلَى الْخَيْرِ، وَالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ {وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} قَالَ الضَّحَّاكُ: هُمْ خَاصَّةُ الصَّحَابَةِ وَخَاصَّةُ الرُّواة، يَعْنِي: الْمُجَاهِدِينَ وَالْعُلَمَاءَ.

وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ الْبَاقِرُ: قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ} ثُمَّ قَالَ: "الْخَيْرُ اتِّبَاعِ القُرآنِ وَسُنَّتِي" رَوَاهُ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ.

وَالْمَقْصُودُ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ أَنْ تَكُونَ فرْقَة مِنَ الأمَّة مُتَصَدِّيَةٌ لِهَذَا الشَّأْنِ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ وَاجِبًا عَلَى كُلِّ فَرْدٍ مِنَ الْأُمَّةِ بِحَسْبِهِ، كَمَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَده، فَإنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أضْعَفُ الإيمَانِ". وَفِي رِوَايَةٍ: "وَلَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ مِنَ الإيمَانِ حَبَّةُ خَرْدَلٍ" (?) .

وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ الْهَاشِمِيُّ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، أَخْبَرَنِي عَمْرو بْنُ أَبِي عَمْرٍو، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَشْهَلِيِّ، عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ، أَنَّ النَّبِيَّ (?) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِه لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ولَتَنْهَوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ، أَوْ لَيُوشِكَنَّ اللهُ أنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عِقَابًا مِنْ عِنْدِهِ، ثُمَّ لَتَدْعُنَّهُ فَلا يَسْتَجِيبُ لَكُمْ".

وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، مِنْ حَدِيثِ عَمْرو بْنِ أَبِي عَمْرٍو، بِهِ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ (?) وَالْأَحَادِيثُ فِي هَذَا الْبَابِ كَثِيرَةٌ مَعَ الْآيَاتِ الْكَرِيمَةِ كَمَا سَيَأْتِي تَفْسِيرُهَا فِي أَمَاكِنِهَا.

ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ [وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ] (?) } يَنْهَى هَذِهِ الْأُمَّةَ أَنْ تَكُونَ كَالْأُمَمِ الْمَاضِيَةِ فِي تَفَرُّقِهِمْ وَاخْتِلَافِهِمْ، وَتَرْكِهِمُ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ مَعَ قِيَامِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ.

قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو الْمُغِيرَةِ، حَدَّثَنَا صَفْوان، حَدَّثَنِي أزْهَر بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْهَوْزَنِي (?) عن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015