90

ثُمَّ نَدِمَ، فَأَرْسَلَ إِلَى قَوْمِهِ: أَنْ سَلُوا لِي (?) رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَلْ لِي مِنْ تَوْبَةٍ؟ قَالَ: فَنَزَلَتْ: {كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ} إِلَى قَوْلِهِ: { [إِلا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا] (?) فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} .

وَهَكَذَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ، وَابْنُ حِبَّانَ، وَالْحَاكِمُ، مِنْ طَرِيقِ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، بِهِ. وَقَالَ الْحَاكِمُ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ (?) .

وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا حُمَيد الْأَعْرَجُ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: جَاءَ الْحَارِثُ بْنُ سُوَيد فَأَسْلَمَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ كَفَرَ الْحَارِثُ فَرَجَعَ إِلَى قَوْمِهِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ: {كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ} إِلَى قَوْلِهِ: { [إِلا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ] (?) غَفُورٌ رَحِيمٌ} قَالَ: فَحَمَلَهَا إِلَيْهِ رَجُلٌ مِنْ قَوْمِهِ فَقَرَأَهَا عَلَيْهِ. فَقَالَ الْحَارِثُ: إِنَّكَ وَاللَّهِ مَا علمتُ لَصَدُوقٌ، وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَأَصْدَقُ مِنْكَ، وَإِنَّ اللَّهَ لَأَصْدَقُ الثَّلَاثَةِ. قَالَ: فَرَجَعَ الْحَارِثُ فَأَسْلَمَ فحَسُنَ إِسْلَامُهُ (?) .

فَقَوْلُهُ تَعَالَى: {كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ} أَيْ: قامتْ عَلَيْهِمُ الحُجَجُ وَالْبَرَاهِينُ عَلَى صِدْقِ مَا جَاءَهُمْ بِهِ الرسولُ، وَوَضَح لَهُمُ الأمرُ، ثُمَّ ارْتَدُّوا إِلَى ظُلْمة الشِّرْكِ، فَكَيْفَ يَسْتَحِقُّ هَؤُلَاءِ الْهِدَايَةَ بَعْدَ مَا تَلَبَّسُوا بِهِ مِنَ الْعَمَايَةِ؛ وَلِهَذَا قَالَ: {وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}

ثُمَّ قَالَ: {أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} أَيْ: يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمْ خَلْقُهُ {خَالِدِينَ فِيهَا} أَيْ: فِي اللَّعْنَةِ {لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ} أَيْ: لَا يُفتَّر عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا يُخَفَّف عَنْهُمْ سَاعَةً وَاحِدَةً.

ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: {إِلا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} وَهَذَا مِنْ لُطْفِهِ وَبِرِّهِ وَرَأْفَتِهِ وَرَحْمَتِهِ وَعَائِدَتِهِ عَلَى خَلْقِهِ: أَنَّهُ مَنْ تَابَ إِلَيْهِ تَابَ عَلَيْهِ.

{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ (90) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الأرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَى بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (91) }

يَقُولُ تَعَالَى مُتَوَعِّدًا ومتهدِّدًا لِمَنْ كَفَرَ بَعْدَ إِيمَانِهِ ثُمَّ ازْدَادَ كُفْرًا، أَيِ: اسْتَمَرَّ عَلَيْهِ إِلَى الْمَمَاتِ، وَمُخْبِرًا بِأَنَّهُ لَا يَقْبَلُ لَهُمْ تَوْبَةً عِنْدَ مَمَاتِهِمْ، كَمَا قَالَ [تَعَالَى] (?) {وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ [قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا] (?) } [النساء:18] .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015