75

أَيْ هُوَ الَّذِي يَهْدِي قُلُوبَ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى أَتَمِّ الْإِيمَانِ، بِمَا يُنَزِّلُهُ عَلَى عَبْدِهِ وَرَسُولِهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الآيات الْبَيِّنَاتِ، وَالدَّلَائِلِ الْقَاطِعَاتِ، وَالْحُجَجِ الْوَاضِحَاتِ، وَإنْ كَتَمْتُمْ (?) -أَيُّهَا الْيَهُودُ-مَا بِأَيْدِيكُمْ مِنْ صِفَةِ مُحَمَّدٍ فِي (?) كُتُبِكُمُ الَّتِي نَقَلْتُمُوهَا عَنِ الْأَنْبِيَاءِ الْأَقْدَمِينَ.

وَقَوْلُهُ {أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ} يَقُولُونَ: لَا تُظْهِرُوا مَا عِنْدَكُمْ مِنَ الْعِلْمِ لِلْمُسْلِمِينَ، فَيَتَعَلَّمُوهُ مِنْكُمْ، وَيُسَاوُوكُمْ (?) فِيهِ، وَيَمْتَازُوا (?) بِهِ عَلَيْكُمْ لِشِدَّةِ الْإِيمَانِ (?) بِهِ، أَوْ يُحَاجُّوكُمْ (?) بِهِ عِنْدَ اللَّهِ، أَيْ: يَتَّخِذُوهُ حُجَّةً عَلَيْكُمْ مِمَّا بِأَيْدِيكُمْ، فَتَقُومُ (?) بِهِ عَلَيْكُمُ الدَّلَالَةُ وتَتَركَّب الحجةُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ} أَيِ: الأمورُ كُلَّهَا تَحْتَ تَصْرِيفِهِ، وَهُوَ الْمُعْطِي الْمَانِعُ، يَمُنّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ بِالْإِيمَانِ وَالْعِلْمِ وَالتَّصَوُّرِ التَّامِّ، وَيَضِلُّ مَنْ يَشَاءُ ويُعمي بَصَرَهُ وَبَصِيرَتَهُ، وَيَخْتِمُ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ، وَيَجْعَلُ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً، وَلَهُ الْحُجَّةُ وَالْحِكْمَةُ (?) .

{وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ. يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} أَيِ: اخْتَصَّكُمْ -أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ-مِنَ الْفَضْلِ بِمَا لَا يُحَد وَلَا يُوصَف، بِمَا شَرَّفَ بِهِ نَبِيَّكُمْ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى سَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ وَهَدَاكُمْ بِهِ لِأَحْمَدِ (?) الشَّرَائِعِ.

{وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (75) بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (76) }

يُخْبِرُ تَعَالَى عَنِ الْيَهُودِ بِأَنَّ فِيهِمُ الْخَوَنَةَ، وَيُحَذِّرُ الْمُؤْمِنِينَ مِنَ الِاغْتِرَارِ بِهِمْ، فَإِنَّ مِنْهُمْ {مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ} أَيْ: مِنَ الْمَالِ {يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ} أَيْ: وَمَا دُونَهُ بِطَرِيقِ الْأُولَى أَنْ يُؤَدِّيَهُ إِلَيْكَ {وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا} أَيْ: بِالْمُطَالَبَةِ وَالْمُلَازَمَةِ وَالْإِلْحَاحِ فِي اسْتِخْلَاصِ حَقِّكَ، وَإِذَا كَانَ هَذَا صَنِيعُهُ فِي الدِّينَارِ فَمَا فَوْقَهُ أُولَى أَلَّا يُؤَدِّيَهُ.

وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى الْقِنْطَارِ فِي أَوَّلِ السُّورَةِ، وَأَمَّا الدِّينَارُ فَمَعْرُوفٌ.

وَقَدْ قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَمْرٍو السَّكُوني، حَدَّثَنَا بَقِيَّة، عَنْ زِيَادِ بْنِ الْهَيْثَمِ، حَدَّثَنِي مَالِكُ بْنُ دِينَارٍ قَالَ: إِنَّمَا سُمِّيَ الدِّينَارُ لِأَنَّهُ دِينٌ وَنَارٌ. وَقَالَ: مَعْنَاهُ: أَنَّهُ (?) مَنْ أَخَذَهُ بِحَقِّهِ فَهُوَ دِينُهُ، وَمَنْ أَخَذَهُ بِغَيْرِ حَقِّهِ فَلَهُ النَّارُ.

وَمُنَاسِبٌ أَنْ يَكُونَ (?) هَاهُنَا الْحَدِيثَ الَّذِي عَلَّقَهُ الْبُخَارِيُّ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنْ (?) صَحِيحِهِ، وَمِنْ أَحْسَنِهَا سِيَاقُهُ فِي كِتَابِ الْكَفَالَةِ حَيْثُ قَالَ: وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بْنِ رَبِيعَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015