وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ} أَيْ: ضَلَالٌ وَخُرُوجٌ عَنِ الْحَقِّ إِلَى الْبَاطِلِ {فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ} أَيْ: إِنَّمَا يَأْخُذُونَ مِنْهُ بِالْمُتَشَابِهِ الَّذِي يُمْكِنُهُمْ أَنْ يُحَرِّفُوهُ إِلَى مَقَاصِدِهِمُ الْفَاسِدَةِ، وَيُنْزِلُوهُ عَلَيْهَا، لِاحْتِمَالِ لَفْظِهِ لِمَا يَصْرِفُونَهُ (?) فَأَمَّا الْمُحْكَمُ فَلَا نَصِيبَ لَهُمْ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ دَامِغٌ لَهُمْ وَحُجَّةٌ عَلَيْهِمْ، وَلِهَذَا قَالَ: {ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ} أَيِ: الْإِضْلَالِ لِأَتْبَاعِهِمْ، إِيهَامًا لَهُمْ أَنَّهُمْ يَحْتَجُّونَ عَلَى بِدْعَتِهِمْ بِالْقُرْآنِ، وَهَذَا حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ لَا لَهُمْ، كَمَا لَوِ احْتَجَّ النَّصَارَى بِأَنَّ الْقُرْآنَ قَدْ نَطَقَ بِأَنَّ عِيسَى هُوَ رُوحُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ، وَتَرَكُوا الِاحْتِجَاجَ بِقَوْلِهِ [تَعَالَى] (?) {إِنْ هُوَ إِلا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ} [الزُّخْرُفِ: 59] وَبِقَوْلِهِ: {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [آلِ عِمْرَانَ: 59] وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ الْمُحْكَمَةِ الْمُصَرِّحَةِ بِأَنَّهُ خَلْقٌ مِنْ مَخْلُوقَاتِ اللَّهِ، وَعَبْدٌ، وَرَسُولٌ مِنْ رُسُلِ اللَّهِ.
وَقَوْلُهُ: {وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ} أَيْ: تَحْرِيفِهِ عَلَى مَا يُرِيدُونَ (?) وَقَالَ مُقَاتِلٌ وَالسُّدِّيُّ: يَبْتَغُونَ أَنْ يَعْلَمُوا مَا يَكُونُ وَمَا عَوَاقِبُ الْأَشْيَاءِ مِنَ (?) الْقُرْآنِ.
وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَة، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {هُوَ الَّذِي أَنزلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ [فَأَمَّاالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ] (?) } إِلَى قَوْلِهِ: {أُولُو الألْبَابِ} فَقَالَ: "فَإِذَا رَأَيْتُمُ الَّذِينَ يُجَادِلُون فِيهِ فَهُمُ الَّذِينَ عَنَى اللهُ فَاحْذَرُوهُمْ (?) .
هَكَذَا وَقَعَ هَذَا الْحَدِيثُ فِي مُسْنَدِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، رَحِمَهُ اللَّهُ، مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَة، عَنْ عَائِشَةَ، لَيْسَ بَيْنَهُمَا أَحَدٌ.
وَهَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ من طريق إسماعيل بن عُلَيَّة وَعَبْدِ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيِّ، كِلَاهُمَا عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْهَا (?) .
وَرَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الْعَبْدِيُّ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ عَبْدِ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيِّ، عَنْ أَيُّوبَ، بِهِ. وَكَذَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَر (?) عَنْ أَيُّوبَ. وَكَذَا رَوَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ أَيُّوبَ. وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ، مِنْ حَدِيثِ أَيُّوبَ، بِهِ.
وَتَابَعَ أَيُّوبَ أَبُو عَامِرٍ الْخَزَّازُ (?) وَغَيْرُهُ عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، فَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ بُنْدار، عَنْ أَبِي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيِّ، عَنْ أَبِي عَامِرٍ الْخَزَّازِ، فَذَكَرَهُ. وَهَكَذَا رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ فِي سُنَنِهِ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ يَحْيَى الأبَحّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عَائِشَةَ. وَرَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ، مِنْ حَدِيثِ رَوْحِ بْنِ الْقَاسِمِ وَنَافِعِ بْنِ عُمَرَ الجُمَحِيّ، كِلَاهُمَا عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، بِهِ. وَقَالَ نَافِعٌ فِي رِوَايَتِهِ عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ: حدثتني عائشةَ، فذكره (?) .