يُخْبِرُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ يَمْحَقُ الرِّبَا، أَيْ: يُذْهِبُهُ، إِمَّا بِأَنْ يُذْهِبَهُ بِالْكُلِّيَّةِ مِنْ يَدِ صَاحِبِهِ، أَوْ يَحْرمَه بَرَكَةَ مَالِهِ فَلَا يَنْتَفِعُ بِهِ، بَلْ يُعَذِّبُهُ بِهِ فِي الدُّنْيَا وَيُعَاقِبُهُ عَلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. كَمَا قَالَ تَعَالَى: {قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ} [الْمَائِدَةِ: 100] ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّم} [الْأَنْفَالِ: 37] ، وَقَالَ: {وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُو عِنْدَ اللَّه} [الْآيَةَ] (?) [الرُّومِ: 39] .
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: فِي قَوْلِهِ: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا} وَهَذَا نَظِيرُ الْخَبَرِ الَّذِي رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: "الرِّبَا وَإِنْ كَثُرَ فَإِلَى قُلّ".
وَهَذَا الْحَدِيثُ قَدْ رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ، فَقَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ [قَالَ] (?) حَدَّثَنَا شَرِيكٌ عَنِ الرُّكَيْنِ بْنِ الرَّبِيعِ [بْنِ عَمِيلَةَ الْفَزَارِيِّ] (?) عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِنَّ الرِّبَا وَإِنْ كَثُرَ فَإِنَّ عَاقِبَتَهُ تَصِيرُ إِلَى قُلٍّ" (?) وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ عَوْنٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنِ الرُّكَيْنِ بْنِ الرَّبِيعِ بْنِ عَمِيلَةَ الْفَزَارِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "مَا أَحَدٌ أَكْثَرَ مِنَ الرِّبَا إِلَّا كَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهِ إِلَى قِلَّةٍ" (?) .
وَهَذَا مِنْ بَابِ الْمُعَامَلَةِ بِنَقِيضِ الْمَقْصُودِ، كَمَا قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو (?) سَعِيدٍ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ، حَدَّثَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ رَافِعٍ الطَّاطَرِيُّ، حَدَّثَنِي أَبُو يَحْيَى -رَجُلٌ (?) مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ -عَنْ فَرُّوخٍّ مَوْلَى عُثْمَانَ: أَنَّ عُمَرَ -وَهُوَ يَوْمَئِذٍ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ -خَرَجَ إِلَى الْمَسْجِدِ، فَرَأَى طَعَامًا مَنْثُورًا. فَقَالَ: مَا هَذَا الطَّعَامُ؟ فَقَالُوا: طَعَامٌ جُلِبَ إِلَيْنَا. قَالَ: بَارَكَ اللَّهُ فِيهِ وَفِيمَنْ جَلَبَهُ. قِيلَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّهُ قَدِ احْتَكَرَ. قَالَ: وَمَنِ احْتَكَرَهُ؟ قَالُوا: فَرُّوخٌ مَوْلَى عُثْمَانَ، وَفُلَانٌ مَوْلَى عُمَرَ. فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمَا فَدَعَاهُمَا فَقَالَ: مَا حَمَلَكُمَا عَلَى احْتِكَارِ طَعَامِ الْمُسْلِمِينَ؟ قَالَا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، نَشْتَرِي بِأَمْوَالِنَا وَنَبِيعُ!! فَقَالَ عُمَرُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "مَنِ احْتَكَرَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ (?) طَعَامَهُمْ ضَرَبَهُ اللَّهُ بِالْإِفْلَاسِ أَوْ بِجُذَامٍ (?) ". فَقَالَ فَرُّوخٌ عِنْدَ ذَلِكَ: أُعَاهِدُ اللَّهَ وَأُعَاهِدُكَ أَلَّا أَعُودَ فِي طَعَامٍ أَبَدًا. وَأَمَّا مَوْلَى عُمَرَ فَقَالَ: إِنَّمَا نَشْتَرِي بِأَمْوَالِنَا وَنَبِيعُ. قَالَ أَبُو يَحْيَى: فَلَقَدْ رَأَيْتُ مَوْلَى عُمَرَ مَجْذُومًا.
وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ الْهَيْثَمِ بْنِ رَافِعٍ، بِهِ (?) . وَلَفْظُهُ: "مَنِ احْتَكَرَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ طَعَامَهُمْ ضَرَبَهُ اللَّهُ بِالْجُذَامِ وَالْإِفْلَاسِ".
وَقَوْلُهُ: {وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ} قُرئ بِضَمِّ الْيَاءِ وَالتَّخْفِيفِ، مِنْ "رَبَا الشيء يربو" و "أرباه يربيه"