الْمَدْخُولِ بِهَا عُمُوم الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ، وَهَذَا الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَأَهْلُ السُّنَنِ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ: أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ سُئِل عَنْ رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَمَاتَ وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا، وَلَمْ يَفْرِضْ لَهَا؟ فَتَرَدَّدُوا إِلَيْهِ مِرَارًا (?) فِي ذَلِكَ فَقَالَ: أَقُولُ فِيهَا بِرَأْيِي، فَإِنْ يَكُنْ صَوَابًا فَمِنَ اللَّهِ، وَإِنْ يكُن خَطَأً فَمِنِّي وَمِنَ الشَّيْطَانِ، وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ بَرِيئَانِ مِنْهُ: [أَرَى] (?) لَهَا الصَّدَاقَ كَامِلًا. وَفِي لَفْظٍ: لَهَا صَدَاقُ مِثْلِهَا، لَا وَكْسَ، وَلَا شَطَط، وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ، وَلَهَا الْمِيرَاثُ. فَقَامَ مَعْقِلُ بْنُ سِنَانٍ (?) الْأَشْجَعِيُّ فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قَضى بِهِ فِي بَرْوَع بِنْتِ وَاشِقٍ. فَفَرِحَ عَبْدُ اللَّهِ بِذَلِكَ فَرَحًا شَدِيدًا. وَفِي رِوَايَةٍ: فَقَامَ رِجَالٌ مِنْ أَشْجَعَ، فَقَالُوا: نَشْهَدُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى بِهِ فِي بَرْوَع بِنْتِ وَاشِق (?) .

وَلَا يَخْرُجُ مِنْ ذَلِكَ إِلَّا الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا، وَهِيَ حَامِلٌ، فَإِنَّ عِدَّتَهَا بِوَضْعِ الْحَمْلِ، وَلَوْ لَمْ تَمْكُثْ بَعْدَهُ سِوَى لَحْظَةٍ؛ لِعُمُومِ قَوْلِهِ: {وَأُولاتُ الأحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطَّلَاقِ: 4] . وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَرَى: أَنْ عَلَيْهَا أَنْ تَتَرَبَّصَ بِأَبْعَدِ الْأَجَلَيْنِ مِنَ الْوَضْعِ، أَوْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ، لِلْجَمْعِ بَيْنَ الْآيَتَيْنِ، وَهَذَا مَأْخَذٌ جَيِّدٌ وَمَسْلَكٌ قَوِيٌّ، لَوْلَا مَا ثَبَتَتْ بِهِ السُّنَّةُ فِي حَدِيثِ سُبَيْعَةَ الْأَسْلَمِيَّةِ، الْمُخَرَّجِ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ: أَنَّهُ تُوُفِّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا سَعْدُ بْنُ خَوْلَةَ، وَهِيَ حَامِلٌ، فَلَمْ تَنْشَبْ أَنْ وَضَعَتْ حَمْلَهَا بَعْدَ وَفَاتِهِ، وَفِي رِوَايَةٍ: فَوَضَعَتْ حَمْلَهَا بَعْدَهُ بِلَيَالٍ، فَلَمَّا تَعَلَّتْ مِنْ نِفَاسِهَا تَجَمَّلَتْ للخُطَّاب، فَدَخَلَ عَلَيْهَا أَبُو السَّنَابِلِ بْنُ بَعْكَك، فَقَالَ لَهَا: مَا لِي أَرَاكِ مُتَجَمِّلة؟ لَعَلَّكِ تَرْجِينَ النِّكَاحَ. وَاللَّهِ مَا أَنْتِ بناكح حتى يمر عَلَيْكِ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وعَشْر. قَالَتْ سُبَيْعَةُ: فَلَمَّا قَالَ لِي ذَلِكَ جَمَعْتُ عليَّ ثِيَابِي حِينَ أَمْسَيْتُ، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ، فَأَفْتَانِي بِأَنِّي قَدْ حلَلَتُ حِينَ وضعتُ، وَأَمَرَنِي بِالتَّزْوِيجِ إِنْ بَدَا لِي (?) .

قَالَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ رَجَعَ إِلَى حَدِيثِ سُبَيعة، يَعْنِي لَمَّا احْتُجَّ عَلَيْهِ بِهِ. قَالَ: وَيُصَحِّحُ ذَلِكَ عَنْهُ: أَنَّ أَصْحَابَهُ أَفْتَوْا بِحَدِيثِ سُبَيْعَةَ، كَمَا هُوَ (?) قَوْلُ أَهْلِ الْعِلْمِ قَاطِبَةً.

وَكَذَلِكَ يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ الزَّوْجَةُ إِذَا كَانَتْ أَمَةً، فَإِنَّ عِدَّتَهَا عَلَى النِّصْفِ مِنْ عِدَّةِ الْحُرَّةِ، شَهْرَانِ وَخَمْسُ لَيَالٍ، عَلَى قَوْلِ الْجُمْهُورِ؛ لِأَنَّهَا لَمَّا كَانَتْ عَلَى النِّصْفِ مِنَ الْحُرَّةِ فِي الحَدّ، فَكَذَلِكَ (?) فَلْتَكُنْ عَلَى النِّصْفِ مِنْهَا فِي الْعِدَّةِ. وَمِنَ الْعُلَمَاءِ -كَمُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ وَبَعْضِ الظَّاهِرِيَّةِ -مَنْ يُسَوِّي بَيْنَ الزَّوْجَاتِ الْحَرَائِرِ وَالْإِمَاءِ فِي هَذَا الْمَقَامِ؛ لِعُمُومِ الْآيَةِ، وَلِأَنَّ الْعِدَّةَ مِنْ بَابِ الْأُمُورِ الْجِبَلِّيَّةِ (?) الَّتِي تَسْتَوِي فِيهَا الْخَلِيقَةُ. وَقَدْ ذَكَرَ سعيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ، وَأَبُو الْعَالِيَةِ وَغَيْرُهُمَا: أَنَّ الْحِكْمَةَ فِي جَعْلِ عِدَّةِ الْوَفَاةِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا؛ لِاحْتِمَالِ اشْتِمَالِ الرَّحِمِ عَلَى حَمْلٍ، فَإِذَا انْتَظَرَ بِهِ هَذِهِ الْمُدَّةَ ظَهَرَ إِنْ كَانَ مَوْجُودًا، كَمَا جَاءَ فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ الَّذِي فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا: "إِنَّ خَلْقَ أَحَدِكُمْ يُجمع فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا نُطْفَةً، ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يُبْعَثُ إِلَيْهِ الملك

طور بواسطة نورين ميديا © 2015