وَقَالَ الْأَعْمَشُ، عَنِ المِنهَال، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى فِي قَوْلِهِ: {مِنْ كُلِّ أَمْرٍ سَلامٌ} قَالَ: لَا يَحْدُثُ فِيهَا أَمْرٌ.
وَقَالَ قَتَادَةُ وَابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: {سَلامٌ هِيَ} يَعْنِي (?) هِيَ خَيْرٌ كُلُّهَا، لَيْسَ (?) فِيهَا شَرٌّ إِلَى مَطْلَعِ الْفَجْرِ. وَيُؤَيِّدُ هَذَا الْمَعْنَى مَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ:
حَدَّثَنَا حَيْوَة (?) بْنُ شُرَيح، حَدَّثَنَا بَقِيَّة، حَدَّثَنِي بَحير بْنُ سَعْدٍ، عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَان، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لَيْلَةُ الْقَدْرِ فِي الْعَشْرِ الْبَوَاقِي، مَنْ قَامَهُنَّ ابْتِغَاءَ حِسْبَتِهِنَّ، فَإِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ، وَهِيَ لَيْلَةٌ وِتْرٍ: تِسْعٍ أَوْ سَبْعٍ، أَوْ خَامِسَةٍ، أَوْ ثَالِثَةٍ، أَوْ آخِرِ لَيْلَةٍ". وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إن أَمَارَةَ لَيْلَةِ الْقَدْرِ أَنَّهَا صَافِيَةٌ بَلْجَة، كَأَنَّ فِيهَا قَمَرًا سَاطِعًا، سَاكِنَةٌ سَجِيَّةٌ، لَا بَرْدَ فِيهَا وَلَا حَرَّ، وَلَا يَحِلُّ لِكَوْكَبٍ يُرمَى بِهِ فِيهَا حَتَّى تُصْبِحَ. وَأَنَّ أَمَارَتَهَا أَنَّ الشَّمْسَ صَبِيحَتَهَا تَخْرُجُ مُسْتَوِيَةً، لَيْسَ لَهَا شُعَاعٌ مِثْلَ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، وَلَا يَحِلُّ لِلشَّيْطَانِ أَنْ يَخْرُجَ مَعَهَا يَوْمَئِذٍ" (?) .
وَهَذَا إِسْنَادٌ حَسَنٌ، وَفِي الْمَتْنِ غَرَابَةٌ، وَفِي بَعْضِ أَلْفَاظِهِ نَكَارَةٌ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، حَدَّثَنَا زَمْعَة، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ وَهْرام، عَنْ عِكْرِمة، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ: "لَيْلَةٌ سَمْحَةٌ طَلْقَةٌ، لَا حَارَّةٌ وَلَا بَارِدَةٌ، وَتُصْبِحُ شَمْسُ (?) صَبِيحَتِهَا ضَعِيفَةً حَمْرَاءَ" (?) .
وَرَوَى ابْنُ أَبِي عَاصِمٍ النَّبِيلِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِنِّي رَأَيْتُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ فَأُنْسِيتُهَا، وَهِيَ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ، مِنْ لَيَالِيهَا لَيْلَةٌ (?) طَلْقَةٌ بِلُجَةٌ، لَا حَارَةً وَلَا بَارِدَةٌ، كَأَنَّ فِيهَا قَمَرًا، لَا يَخْرُجُ شَيْطَانُهَا حَتَّى يُضِيءَ فَجْرُهَا" (?) .
فَصْلٌ
اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ: هَلْ كَانَتْ لَيْلَةُ الْقَدْرِ فِي الْأُمَمِ السَّالِفَةِ، أَوْ هِيَ مِنْ خَصَائِصِ هَذِهِ الْأُمَّةِ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ:
قَالَ أَبُو مُصْعَبٍ أَحْمَدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الزُّهْرِيُّ: حَدَّثَنَا مَالِكٌ: أَنَّهُ بَلَغَهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُري أَعْمَارَ النَّاسِ قَبْلَهُ -أَوْ: مَا شَاءَ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ-فَكَأَنَّهُ تَقَاصَرَ أَعْمَارُ أُمَّتِهِ أَلَّا يَبْلُغُوا مِنَ الْعَمَلِ الَّذِي بَلَغَ غَيْرُهُمْ فِي طُولِ الْعُمْرِ، فَأَعْطَاهُ اللَّهُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ خَيْرًا مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (?) وَقَدْ أسند من وجه آخر.