..
أَتَاكَ عَلَى قُنوط مِنْكَ غَوثٌ ... يَمُنُّ بِهِ اللَّطِيفُ المستجيبُ ...
وَكُلُّ الْحَادِثَاتِ إِذَا تَنَاهَتْ ... فَمَوْصُولٌ بِهَا الْفَرَجُ الْقَرِيبُ ...
وَقَالَ آخَرُ:
وَلَرُب نَازِلَةٍ يَضِيقُ بِهَا الْفَتَى ... ذَرْعًا وَعِنْدَ اللَّهِ مِنْهَا الْمَخْرَجُ ...
كَمُلَتْ فَلَمَّا اسْتَحْكَمَتْ حَلْقَاتُهَا ... فُرِجَتْ وَكَانَ يَظُنُّهَا لَا تُفْرَجُ ...
وَقَوْلُهُ: {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ} أَيْ: إِذَا فَرغت مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا وَأَشْغَالِهَا وَقَطَعْتَ عَلَائِقَهَا، فَانْصَبْ فِي الْعِبَادَةِ، وَقُمْ إِلَيْهَا نَشِيطًا فَارِغَ الْبَالِ، وَأَخْلِصْ لِرَبِّكَ النِّيَّةَ وَالرَّغْبَةَ. وَمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الْمُتَّفَقِ عَلَى صِحَّتِهِ: "لَا صَلَاةَ بِحَضْرَةِ طَعَامٍ، وَلَا وَهُوَ يُدَافِعُهُ الْأَخْبَثَانِ" (?) وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ وَحَضَرَ الْعَشَاءُ، فَابْدَءُوا بالعَشَاء" (?) .
قَالَ مُجَاهِدٌ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: إِذَا فَرَغْتَ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا فَقُمْتَ إِلَى الصَّلَاةِ، فَانْصَبْ لِرَبِّكَ، وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ: إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلَاةِ فَانْصَبْ فِي حَاجَتِكَ، وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ: إِذَا فَرَغْتَ مِنَ الْفَرَائِضِ فَانْصَبْ فِي قِيَامِ اللَّيْلِ. وَعَنِ ابْنِ عِيَاضٍ نَحْوُهُ. وَفِي رِوَايَةٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ: {فَانْصَبْ وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ} بَعْدَ فَرَاغِكَ مِنَ الصَّلَاةِ وَأَنْتَ جَالِسٌ.
وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ} يَعْنِي: فِي الدُّعَاءِ.
وَقَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ، وَالضَّحَّاكُ: {فَإِذَا فَرَغْتَ} أَيْ: مِنَ الْجِهَادِ {فَانْصَبْ} أَيْ: فِي الْعِبَادَةِ. {وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ} قَالَ الثَّوْرِيُّ: اجْعَلْ نِيَّتَكَ وَرَغْبَتَكَ إِلَى اللَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ.
آخِرُ تَفْسِيرِ سورة "ألم نشرح" ولله الحمد.