مؤمنٌ بِقَلْبِهِ، مُحْتَسِبٌ ثَوَابَ ذَلِكَ عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا} [الْإِسْرَاءِ: 19] وَقَالَ {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ} الْآيَةَ (?) [النَّحْلِ: 97] .

وَقَوْلُهُ: {وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ} أَيْ: كَانَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ الْعَامِلِينَ صَالِحًا، الْمُتَوَاصِينَ بِالصَّبْرِ عَلَى أَذَى النَّاسِ، وَعَلَى الرَّحْمَةِ بِهِمْ. كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ: "الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ، ارْحَمُوا مَنْ فِي الْأَرْضِ يَرْحَمُكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ" (?) وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ: "لَا يَرْحَم اللهُ مَنْ لَا يَرْحَم النَّاسَ" (?) .

وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: حَدَّثَنَا [أَبُو بَكْرِ] (?) بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيح، عَنْ ابْنِ عَامِرٍ (?) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرو -يَرْوِيهِ-قَالَ: "مَنْ لَمْ يَرْحم صَغِيرَنَا ويَعْرِف حَقَّ كَبِيرِنَا، فَلَيْسَ مِنَّا" (?) .

وَقَوْلُهُ: {أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ} أَيِ: الْمُتَّصِفُونَ بِهَذِهِ الصِّفَاتِ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ.

ثُمَّ قَالَ: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا هُمْ أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ} أَيْ: أَصْحَابُ الشِّمَالِ، {عَلَيْهِمْ نَارٌ مُؤْصَدَةٌ} أَيْ: مُطْبَقَةٌ عَلَيْهِمْ، فَلَا مَحِيدَ لَهُمْ عَنْهَا، وَلَا خُرُوجَ لَهُمْ مِنْهَا.

قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَعِكْرِمَةُ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَمُجَاهِدٍ، وَمُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ، وَعَطِيَّةُ الْعَوْفِيُّ، وَالْحَسَنُ، وَقَتَادَةُ، وَالسُّدِّيُّ: {مُؤْصَدَةٌ} أَيْ: مُطْبَقَةٌ -قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مُغْلَقَةُ الْأَبْوَابِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: أَصَدَ الْبَابَ بِلُغَةِ قُرَيْشٍ: أَيْ أَغْلَقَهُ.

وَسَيَأْتِي فِي ذَلِكَ حَدِيثٌ فِي سُورَةِ: {وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ}

وَقَالَ الضَّحَّاكُ: {مُؤْصَدَةٌ} حَيْطٌ لَا بَابَ لَهُ.

وَقَالَ قَتَادَةُ: {مُؤْصَدَةٌ} مُطْبِقَةٌ فَلَا ضَوْءَ فِيهَا وَلَا فُرَج، وَلَا خُرُوجَ مِنْهَا آخِرَ الْأَبَدِ.

وَقَالَ أَبُو عِمْرَانَ الْجَوْنِيُّ: إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ أَمَرَ اللَّهُ بِكُلِّ جَبَّارٍ وَكُلِّ شَيْطَانٍ وَكُلِّ مَنْ كَانَ يَخاف النَّاسُ فِي الدُّنْيَا شَرَّهُ، فَأُوثِقُوا فِي الْحَدِيدِ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِمْ إِلَى جَهَنَّمَ، ثُمَّ أَوْصَدُوهَا عَلَيْهِمْ، أَيْ: أَطْبَقُوهَا -قَالَ: فَلَا وَاللَّهِ لَا تَسْتَقِرُّ أَقْدَامُهُمْ عَلَى قَرَارٍ أَبَدًا، وَلَا وَاللَّهِ لَا يَنْظُرُونَ فِيهَا إِلَى أَدِيمِ سَمَاءٍ أَبَدًا، وَلَا وَاللَّهِ لَا تَلْتَقِي جُفُونُ أَعْيُنِهِمْ عَلَى غَمْضِ نَوْمٍ أَبَدًا،. وَلَا وَاللَّهِ لَا يَذُوقُونَ فِيهَا بَارِدَ شَرَابٍ أَبَدًا. رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ.

آخِرُ تَفْسِيرِ سورة "البلد" ولله الحمد والمنة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015