{بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (16) وَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى (17) إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الأولَى (18) صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى (19) }
يَقُولُ تَعَالَى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى} أَيْ: طهَّر نَفْسَهُ مِنَ الْأَخْلَاقِ الرَّذِيلَةِ، وَتَابَعَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ، صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ، {وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} أَيْ: أَقَامَ الصَّلَاةَ فِي أَوْقَاتِهَا؛ ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ وَطَاعَةً لِأَمْرِ اللَّهِ وَامْتِثَالًا لِشَرْعِ اللَّهِ. وَقَدْ قَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ:
حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَرْزَمِيُّ، حَدَّثَنَا عَمِّي مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَابِطٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى} قَالَ: "مَنْ شَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَخَلَعَ الْأَنْدَادَ، وَشَهِدَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ"، {وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} قَالَ: "هِيَ الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ وَالْمُحَافَظَةُ عَلَيْهَا وَالِاهْتِمَامُ بِهَا".
ثُمَّ قَالَ (?) لَا يُرْوَى عَنْ جَابِرٍ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ (?) .
وَكَذَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ جَرِيرٍ.
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنِي عَمرو بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ الْآمُلِيُّ (?) حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، عَنْ أَبِي خَلْدَةَ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي الْعَالِيَةِ فَقَالَ لِي: إِذَا غَدَوْتَ غَدًا إِلَى الْعِيدِ فَمُرَّ بِي. قَالَ: فَمَرَرْتُ بِهِ فَقَالَ: هَلْ طَعِمْتَ شَيْئًا؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: أَفَضْتَ عَلَى نَفْسِكَ مِنَ الْمَاءِ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: فَأَخْبِرْنِي مَا فَعَلْتَ بِزَكَاتِكَ؟ قُلْتُ: وَكَأَنَّكَ قُلت: قَدْ وَجّهتهَا؟ قَالَ: إِنَّمَا أَرَدْتُكَ لِهَذَا. ثُمَّ قَرَأَ: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} وَقَالَ: إِنَّ أَهْلَ الْمَدِينَةِ لَا يَرَوْنَ صَدَقَةً أفضل منها ومن سقاية الماء.