يُخْبِرُ تَعَالَى عَنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّ {لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ} (?) بِخِلَافِ مَا أُعِدَّ لِأَعْدَائِهِ مِنَ الْحَرِيقِ وَالْجَحِيمِ؛ وَلِهَذَا قَالَ: {ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ}

ثُمَّ قَالَ: {إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ} أَيْ: إِنَّ بَطْشَهُ وَانْتِقَامَهُ مِنْ أَعْدَائِهِ الَّذِينَ كَذَّبوا رُسُلَهُ وَخَالَفُوا أَمْرَهُ، لَشَدِيدٌ عَظِيمٌ قَوِيٌّ؛ فَإِنَّهُ تَعَالَى ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ، الَّذِي مَا شَاءَ كَانَ كَمَا يَشَاءُ فِي مِثْلِ لَمْحِ الْبَصَرِ، أَوْ هُوَ أَقْرَبُ؛ وَلِهَذَا قَالَ: {إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيد} أَيْ: مِنْ قُوَّتِهِ وَقُدْرَتِهِ التَّامَّةِ يُبْدِئُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ كَمَا بَدَأَهُ، بِلَا مُمَانِعٍ وَلَا مُدَافِعٍ. {وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُود} أَيْ: يَغْفِرُ ذَنْبَ مَنْ تَابَ إِلَيْهِ وخَضَع لَدَيْهِ، وَلَوْ كَانَ الذَّنْبُ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ كَانَ.

وَالْوَدُودُ-قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ-: هُوَ الْحَبِيبُ، {ذُو الْعَرْشِ} [أَيْ: صَاحِبُ الْعَرْشِ] (?) الْمُعَظَّمِ (?) الْعَالِي عَلَى جَمِيعِ الْخَلَائِقِ.

وَ {الْمَجِيدُ} فِيهِ قِرَاءَتَانِ: الرَّفْعُ عَلَى أَنَّهُ صِفَةٌ لِلرَّبِّ، عَزَّ وَجَلَّ. وَالْجَرُّ عَلَى أَنَّهُ صِفَةٌ لِلْعَرْشِ، وَكِلَاهُمَا مَعْنًى صَحِيحٌ.

{فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} أَيْ: مَهْمَا أَرَادَ فِعْلَهُ، لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ، وَلَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ؛ لِعَظَمَتِهِ وَقَهْرِهِ وَحِكْمَتِهِ وَعَدْلِهِ، كَمَا رَوَيْنَا عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ أَنَّهُ قِيلَ لَهُ-وَهُوَ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ-: هَلْ نَظَرَ إِلَيْكَ الطَّبِيبُ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالُوا: فَمَا قَالُ لَكَ؟ قَالَ: قَالَ لِي: إِنِّي فَعَّالٌ لِمَا أُرِيدُ.

وَقَوْلُهُ: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ} أَيْ: هَلْ بَلَغَكَ مَا أَحَلَّ اللَّهُ بِهِمْ مِنَ الْبَأْسِ، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِمْ مِنَ النِّقْمَةِ الَّتِي لَمْ يَرُدَّهَا عَنْهُمْ أَحَدٌ؟.

وَهَذَا تَقْرِيرٌ لِقَوْلِهِ: {إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ} أَيْ: إِذَا أَخَذَ الظَّالِمَ أَخَذَهُ أَخْذًا أَلِيمًا شَدِيدًا، أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ.

قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الطَّنَافِسِيّ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ قَالَ: مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى امْرَأَةٍ تَقْرَأُ: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ} فَقَامَ يسمع (?) فقال: "نعم، قد جاءني" (?) .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015