الله: {كَلا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ}
وَقَالَ أَحْمَدُ:حَدَّثَنَا صَفْوَانُ بْنُ عِيسَى، أَخْبَرَنَا ابْنُ عَجْلان، عَنِ الْقَعْقَاعِ بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا أَذْنَبَ كَانَتْ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ فِي قَلْبِهِ، فَإِنْ تَابَ وَنَزَعَ وَاسْتَغْفَرَ صُقِل قَلْبُهُ، فَإِنْ زَادَ زَادَتْ حَتَّى تَعْلُوَ قَلْبَهُ، وَذَاكَ الرَّانُ الَّذِي ذَكَرَ اللَّهُ فِي الْقُرْآنِ: {كَلا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} " (?) .
وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ:هُوَ الذَّنْبُ عَلَى الذَّنْبِ، حَتَّى يَعْمَى الْقَلْبُ، فَيَمُوتُ. وَكَذَا قال مجاهد ابن جَبْرٍ وَقَتَادَةُ، وَابْنُ زَيْدٍ، وَغَيْرُهُمْ.
وَقَوْلُهُ: {كَلا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} أَيْ: لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنزلٌ وَنُزُلٌ سِجِّينٌ، ثُمَّ هُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَعَ (?) ذَلِكَ مَحْجُوبُونَ عَنْ رُؤْيَةِ رَبِّهِمْ وَخَالِقِهِمْ.
قَالَ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الشَّافِعِيُّ: [فِي] (?) هَذِهِ الْآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ يَرَوْنَهُ عَزَّ وَجَلَّ يَوْمَئِذٍ (?) .
وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ، رَحِمَهُ اللَّهُ، فِي غَايَةِ الْحُسْنِ، وَهُوَ اسْتِدْلَالٌ بِمَفْهُومِ هَذِهِ الْآيَةِ، كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ مَنْطُوقُ قَوْلِهِ: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [الْقِيَامَةِ: 22، 23] . وَكَمَا دَلَّتْ عَلَى ذَلِكَ الْأَحَادِيثُ الصِّحَاحُ (?) الْمُتَوَاتِرَةُ فِي رُؤْيَةِ الْمُؤْمِنِينَ رَبَّهُمْ عَزَّ وَجَلَّ فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ، رُؤْيَةٌ بِالْأَبْصَارِ فِي عَرَصات الْقِيَامَةِ، وَفِي رَوْضَاتِ الْجِنَانِ الْفَاخِرَةِ.
وَقَدْ قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ [مُحَمَّدُ بْنُ عَمَّارٍ الرَّازِيُّ] (?) : حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ المنْقَريّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ ابن سَعِيدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ عُبَيْدٍ، عَنِ الْحَسَنِ فِي قَوْلِهِ: {كَلا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} قَالَ: يُكْشَفُ الْحِجَابُ، فَيَنْظُرُ إِلَيْهِ الْمُؤْمِنُونَ وَالْكَافِرُونَ، ثُمَّ يُحْجَبُ عَنْهُ الْكَافِرُونَ وَيَنْظُرُ إِلَيْهِ الْمُؤْمِنُونَ. كُلّ يَوْمٍ غُدْوَةً وَعَشِيَّةً-أَوْ كَلَامًا هَذَا مَعْنَاهُ.
قَوْلُهُ: {ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُو الْجَحِيمِ} أَيْ: ثُمَّ هُمْ مَعَ هَذَا الْحِرْمَانِ عَنْ رُؤْيَةِ الرَّحْمَنِ مِنْ أَهْلِ النِّيرَانِ، {ثُمَّ يُقَالُ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ} أَيْ: يُقَالُ لَهُمْ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ التَّقْرِيعِ وَالتَّوْبِيخِ، وَالتَّصْغِيرِ وَالتَّحْقِيرِ.
{كَلا إِنَّ كِتَابَ الأبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ (18) وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ (19) كِتَابٌ مَرْقُومٌ (20) يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ (21) إِنَّ الأبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (22) عَلَى الأرَائِكِ يَنْظُرُونَ (23) تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ (24) يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ (25) خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ (26) وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ (27) عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ (28) }